من طريق الحرير إلى فلك الفسيفساء، ومن تضاريس المكان إلى مدى الزمان وتقلباته .. ذلك هو المحتوى الأصيل لمهرجان الفنون السنوي الذي يترافق مع شهر رمضان المبارك، ويُعيدنا سويّة إلى مرابع المعاني الكبيرة لتلك الأزمنة والأمكنة. هذا المهرجان الذي يقام في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة يتوازى مع سلسلة النشاطات الرمضانية العربية الإسلامية مع بعض الخصائص التي تستحق وقفة عابرة . مهرجان رمضان للفنون بالشارقة يُعيد تدوير مرئيات مُتعددة بالثراء والإشارات، فالشعار المرفوع هذا العام والمقرون بفلك الفسيفساء يستدعي تلك الأبعاد المتنوعة لفن الفسيفساء التاريخي الذي ميزّ الحضارة العربية الإسلامية بوصفه فنّاً مقروناً بالإنتاج، والصنعة الفنية، والعمارة، والزخرفة، والحروفيات، وكان هذا الفن يرتقي بروافع من أفلاك تبحر في مياه التاريخ، فيما تتقاذفها أمواج الفنون العاتية. هذا ما سنراه ماثلاً في سلسلة النشاطات الممتدة على مدى الشهر والتي تصل إلى ما يزيد عن مائة فعالية تتوزع في ربوع الشارقة وحواضرها الحاضنة للإبداع. وتزداد الفعاليات حيوية وأهمية من خلال الحضور النوعي للمشاركين من الفنانين والنقاد، والتوازي الإعلامي الذي يعكس الحالة ليرتقي بها إلى وسائط التقنية والمعلوماتية العصرية . وعلى المستوى اليمني جرت العادة على تنظيم مثل هذه المهرجانات المترافقة مع روحية الشهر الفضيل، بالترافق مع الزخم النوعي المرتبط بعبقرية المكان والذاكرة مما تستطيع وزارة الثقافة ومؤسساتها التقاط أبعاده ولطائفه الوافرة . إكساء الشهر أبعاده الروحية الثقافية التراثية أمر يساعدنا على ترويض النفس وانعتاقها من ثقافة التناطحات العدمية والإحساس القهري الممسوس بالوسواس الخنّاس، والنظرة الجزئية لمشكلاتنا . أزعم أن هذه الرؤية واردة في ذاكرة المعنيين الحريصين على أن تتموضع الحكمة اليمانية في مكانها اللائق ضمن خارطة الفعل الثقافي الفني العربي المؤسسي الشامل.