يقول رمضان: يا أهل اليمن.. كنتم من أوائل الفرق في جيوش الفاتحين.. في فتوحات الشام والعراق.. كانت لكم الصدارة في طلائع الجيوش مع المهلب وقتيبة الباهلي.. كانت لكم طلائع في كل فرقة تخرج للجهاد في السند والهند مع محمد بن القاسم وكنتم مع عمرو بن العاص في سيره إلى مصر.. شاركتم في فتح افريقيا والأندلس مع موسى بن نصير وطارق بن زياد.. حتى صار منكم الأمراء والقادة في أرض الأندلس وكل أرض، فيا أهل اليمن: أين كل ذلك المجد التليد؟ وأين ذلك الشموخ؟ ماذا نقول للشهر الكريم؟ نقول له: ضيّعنا الجهل؟ نقول له: جهلنا حتى طغينا وحتى ضعنا.. وهل هناك طغيان أشد فداحة من طغيان أمة أغلقت على نفسها منافذ العلم منذ أزمان بعيدة.. منذ عصور القاسم المرسي يوم جاء من طبرستان ومن نجد ومعه مدرسته وبعض طلابه.. كان يظن أنه سيصلح البلاد والعباد.. لكن البلاد أي بلاد لا تصلح إلا بالعلم والعلماء، لكنها أي بلادنا بدلاً أن تتعلم القرآن وعلومه وتتعلم الفقه والتفسير وتتعلم الرياضيات والكيمياء والأخلاق والفيزياء.. تعلمت فن المشيخة على غير أصول.. تعلم الناس في بلادنا فنون الاقتتال، تعلموا الامساك بالبندقية والضغط على الزناد!! كانت هذه بداية المآسي، سارت عليها أحوالنا قروناً. كان بالإمكان أن نتعلم الأدب باللغة الفصحى شعراً ونثراً ونتعلم «الأدب» في المخاطبة.. نتعلم من الإسلام فن التسامح والمحبة ونتعلم مع الصلاة فن البذل والعطاء وكيف نخرج الزكاة ولمن تعطى؟ ونتعلم الصبر والأناة لكننا لم نفعل شيئاً من ذلك بل تركنا حقيبة الدين في وادٍ سحيق مع مافيها من مبادئ الإسلام وقيمه وتشريعاته.. ثم نسينا أننا أضعنا الحقيبة إلا بعد أن غمرتها السيول في وادي النسيان ولم نجد في عقولنا شيئاً.. فذهبنا نجتهد ونجتهد فكيف يجتهد جاهل دون أن يُعرّض أمته للضياع؟! وبعد إغلاق منافذ النور كان لابد أن نصاب بالعشى الليلي ثم العمى الكلي عن كل معرفة.. أغلقت منافذ العلم والاستنارة فتُرك أجدادنا من غير علم أو معرفة بالإسلام، تركوا وسط بيئة من الثقافة الزائفة عاف عليها الدهر فلم يعد لها صلة بالمنابع الصافية لثقافة الإسلام.. بقيت لنا ثقافة القبيلة والأسرة الحاكمة يحوم حولها من لا يرجى خيرهم أو يؤمن مكرهم. فكان لابد أن تأتي عصور تتراكم فيها عوامل الضعف فتؤثر على تفكيرنا وعلى قدرتنا في مواجهة مسؤلياتنا.. كان لابد أن يأتي يوم تزيد فيه أخطاؤنا ويكثر تخبطنا وتسوء مواقفنا فإذا بنا نجد أنفسنا لا نحسن شيئاً على وجه الدقة.. فهل نستطيع القول إننا نحسن قيادة التنمية الاقتصادية أو التعليمية أو غيرها من التنميات؟! نحن ورثنا تركه ثقيلة أباً عن جد.. كابراً عن كابر أفقدتنا صوابنا في حسن ترتيب أمورنا.. وبالرغم من شعورنا بالحاجة إلى أن نضع الإنسان المناسب في المكان المناسب لكننا حتى الآن لم نستطع أن نجرؤ على فعل عمل ليس صعباً ولا مستحيلاً.. بل يحتاج فقط أن تكون عندنا إرادة..!!! فهل حان الوقت أن تكون لنا إرادة في أن نضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ هل هذا صعب؟ نعم.. ياشهر الكريم مازال حتى الآن من الصعب علينا أن نأتي بالرجل المناسب نضعه في المكان المناسب فما رأيك فينا ياشهر الصفاء والنقاء والصدق والوفاء؟ لذلك فإن هذا الحال الذي نعيشه يؤكد أننا مازلنا نعيش مرحلة العشى الليلي. نعم.. ياشهرنا الكريم نحن مازلنا نعيش مرحلة العشى الليلي!! تسألني منذ متى؟؟ منذ أن أطفأنا مصابيح الإنارة والهدى في بلادنا.. جاء الإسلام ياشهرنا الكريم بالزيت والمصباح فاستنار كل شيء في مكة والمدينة إلى الشام والعراق واليمن.. استنارت بالإسلام فارس وبلاد الترك والسند والهند حتى الصين.. استنارت الدنيا بأسرها بنوره ثم جاء خلف أطفأوا المصابيح واحداً واحداً فكان لابد أن يضلوا الطريق.. فأنى له أن يجد الطريق من أطفأ مصباحه.. لكنهم نسوا أنهم اطفأوا المصابيح أو تعمدوا اطفاءه.. فجاء خلف بعدهم يتهم الإسلام بالجهل والتخلف وأنه المسؤول عن العشى الليلي والتخبط الذي نعيش فيه.. اتهموا الإسلام أنه جاء بدون مصابيح ولا زيت ولا إضاءة ولا هدى!! ولولا قلة الإيمان والعشى الليلي ماحدث ماتراه ياشهرنا الكريم في صعدة أو في جنوبنا الحبيب.. لولا قلة الايمان والعشى الليلي.. ولولا الطيش والنزق ما رفع السلاح أخ في صعدة ليقتل أخاه.. ولما كان هناك «حراك» في الجنوب مهمته أن يقتل الأخ أخاه!! ولولا قلة الايمان والعشى الليلي ماغفل القاضي أن يحكم بالعدل ويحسم الخلاف في يوم مقداره اثنتا عشرة ساعة وليس في يوم مقداره ألف عام.. فلولا أن هناك ياشهرنا الكريم من يريد أن يعيش في الظلام لكان سهل على اليمن أن تِقد المصباح وتعيد للنور هيئته وللعدل هيبته.. لكننا ياشهرنا الكريم نجد البعض في بلادنا لايريدون للنور هيئة ولا للعدل هيبة.. أليسوا هم أسباب الكارثة؟!