ها نحن أولاء ندلف شهر رمضان المبارك، ونضع أقدامنا على عتبته المباركة.. فهو شهر فضيل اختصه الله تعالى من بين سائر الشهور ليكون مطهرة للعبد لما عساه اقترف في أيام السنة من الذنوب والمعاصي، ولذا جاء في الحديث «الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر» إذ الكبائر تحتاج إلى توبة صادقة من العبد بشروطها حتى يكفرها الله لأن منطوق الحديث إذا اجتنبت الكبائر ومفهومه أنه إذا لم تجتنب الكبائر فليس رمضان مكفراً لما مضى منها. وهو إلى ذلك أعماله مضاعفة الأجر والثواب لدرجة أن الفريضة بسبعين فريضة والنافلة بفريضة كما جاء في الأثر كما ان خلوف فم الصائم أطهر عند الله من ريح المسك. وإذاً فهو موسم للتجارة مع الله تعالى، وهي تجارة عظيمة لن تبور ولن يخسر صاحبها. على أن ما يجب ألا يغفل عنه الصائم أمور تخدش في صيامه مثل السب والشتم فإن حدث أن سبه أحد أو شتمه فليقل : إني صائم.. يقولها في نفسه أو بلسانه. وبعد.. فهذا شهر تلك بعض خصائصه وسماته فبأي شيء نستقبله أبالبعد عن الطاعات وملازمة المنكرات أبالهجر للقرآن الكريم وتعاليمه أبضياع أوقاتنا فيما لا ينفع - كلا! بل العاقل هو من يستغل ويستقبل هذا الشهر بالاكثار من الطاعات والصالحات لزيادة عمره الدعوي وحياته لأن للإنسان حقيقة عمرين أو حياتين: حياة عمره الزماني، هذه الحياة التي يعيشها فيعمر الستين أو السبعين تزيد أو تنقص قليلاً وحياة أخرى هي هذه الحياة التي يضاعفها بالحسنات وإذا مات يبقى له عمله وما تركه رصيداً وحياة أخرى وهذا هو سر بقاء الصالحين والعظماء في التاريخ كالرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته والتابعين من بعدهم وأئمة المذاهب وشراحها والفاتحين.. فهؤلاء مازالوا أحياء بيننا بما تركوه لنا من علم وسير وقدوات تضيء الدرب للسالكين.. قال تعالى «إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين» ورمضان فرصة لزيادة هذه الحياة أو هذا العمر بهذا المعنى: وكن رجلاً إن أتوا بعده .. يقولون مر وهذا الأثر.