لا أبالغ إذا قلت إن ما كشفت عنه أحزاب المشترك في آخر إبداعها السياسي من دعوة أو رؤية للإنقاذ أكبر عملية شخصنة؛ مستهينة بإرادة الهيئة الناخبة التي قالت: «نعم» لفخامة الرئيس الصالح.. تعمدت بكل ما في القاموس السياسي من التجاهل والمغالطة إلغاء كل ما اكتسبه الشعب اليمني من المنجزات والمؤسسات الديمقراطية والمنظومة الدستورية والقانونية التي شبّت عن الطوق، ولم تعد قابلة للإلغاء والتجاهل بأي حال من الأحوال، وتحت أية تداعيات ومغامرات داخلية أو خارجية تحاول عبثاً إعادة عجلة التاريخ إلى ما قبل الجمهورية، وما قبل الوحدة، وما قبل الديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة. ولم يعد في وعي الهيئة الشعبية الناخبة فراغاً تستقبل من خلاله عبث البابوات والأوصياء الذين يعيشون خارج العصر وخارج حركته التاريخية الجدلية العقلانية الديمقراطية الصاعدة أبداً، وما يصدر عنهم من المواقف المتخاذلة والأفكار الجاهلة والدعوات المشبوهة الهادفة إلى تكريس الشمولية والانتصار للأقلية على الأغلبية تحت ضغط الأزمات والمؤامرات الدامية والمدمرة للوطن والشعب. ويندرج في هذا الإطار المراهنات الصبيانية الداعية إلى الإنقاذ بعد عشرات الأعوام من الجمهورية، والوحدة، والديمقراطية، التي تسوق نفسها للسلطة من خلال ما تقوى عليه من البيانات والخطابات والأوراق السياسية الباحثة عن الاصطياد في المياه الوطنية العكرة للإرادة الشعبية الحرة والواعية والناضجة. أقول ذلك وأقصد به أن التراجع عن الشرعية الدستورية إلى الشرعية الفوضوية الاتفاقية والوفاقية بعقليات متحجرة وعاجزة عن الارتقاء بما لديها من العقول الشمولية المغلقة إلى مستوى العقول الحوارية الديمقراطية المستنيرة المستوعبة لآخر ما وصلت إليه العملية الديمقراطية من الجديد الذي لا يترك للقوى الديمقراطية بديلاً سوى الامتثال لحتمية التداول عبر البوابة الانتخابية التي تتموضع منها إرادة الهيئة الشعبية الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة. لذلك لا فائدة من اللجوء إلى الاستعطاف بدموع التماسيح؛ ولا حتى بما ينتج عن العنف من عملية سفك للدماء، وعملية إزهاق للأرواح، وتدمير للأمن والاستقرار، وتبديد للأموال والممتلكات، وتدمير للمنشآت؛ لأن الشعب هو وحده الصامد والصابر بوجه هذا النوع من المغالطات والأعمال الصبيانية اللا ديمقراطية التي لا يتذكر منها سوى المآسي الدامية والمدمرة المحفورة في ذاكرته جبلاً بعد جيل. ولا سبيل للوصول إلى السلطة سوى بالديمقراطية، ولا مجال للتداول السلمي للسلطة سوى بالشرعية الانتخابية المحكومة بالأساليب والوسائل الحوارية السلمية تحت سقف المؤسسات والمرجعيات الدستورية والقانونية، وهذه حقائق وطنية لابد من احترامها من قبل كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية والشخصيات الاجتماعية التي ما برحت تسوّق نفسها اليوم بذات الأساليب الشمولية المبتذلة والمكررة للعب الأمس وما قبل الأمس الغاشم. أقول ذلك وأقصد به تذكير أولئك المعارضين الذين يبحثون عن سلطة من خلال مسميات تسوّق للفوضاء والشمولية، تارة تطلق على نفسها "أحزاب المشترك"، وتارة تطلق على نفسها "اللجنة العليا للتشاور"، وتارة تطلق على نفسها "اللجنة التحضيرية للحوار الوطني"، وتارة تطلق على نفسها "الرؤية الوطنية للإنقاذ" على قاعدة ما تعتقد أنه تعددية في تقسيم الاسم الواحد إلى مسميات تضاعف من الحجم والوزن والقيمة. متناسية المقولة المشهورة لذلك الرجل الذي عرض قطّه الوحيد للبيع بثمن يليق بما عُرف به من تعددية في الأسماء مثل "القط + الدم + البس + الهر +... + .... إلخ" ولما لم يجد ما يطلبه من الثمن رمى به إلى الأرض قائلاً: "لتذهب إلى الحجيم يا كثير الأسماء ويا قليل الثمن" لأن الأسماء مهما تعددت وتنوعت للواحد تبقى شكلاً بلا مضمون عديمة القيمة والجمع والوزن. أما كان من الأفضل لهذه الأحزاب الوطنية المستعجلة للتداول السلبي للسلطة بشرعية انقلابية التي تمتلك سلطة المعارضة أن تنشغل بتطوير ما لديها من القناعات الأيديولوجية والبرامجية والسياسية والأساليب والهياكل الخارجية المتجوفة والفارغة من الداخل، وتبنّي القضايا الوطنية ذات الصلة بالتخفيف من معاناة الشعب، والحفاظ على ما لديه من الثوابت الوطنية؟! وتحقيق ما لديه من الطموحات والتطلعات الاقتصادية والاجتماعية المشروعة؛ بدلاً من الانشغال بالمؤتمرات والحوارات والتظاهرات والاعتصامات والإضرابات المؤلمة والمقلقة للأمن والاستقرار بما تنتهي إليه من التجاوزات والممارسات الفوضوية التي تبدأ سلمية وتنتهى إلى أحداث شغب تقود العامة من البؤساء والمحتاجين إلى مالا تحمد عقباه من أعمال السلب والنهب والقتل والاختطافات وقطع الطرقات والتطرف والإرهاب التي تباعد بينها وبين اليوم الموعود للتداول السلمي للسلطة بشرعية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة؟!. هؤلاء الطامحون والطامعون بالسلطة بأساليب صبيانية، المنشغلون بهذا النوع من المراهنة، لماذا لا يشغلون أنفسهم بدراسة التجارب الديمقراطية الإنسانية الناجحة بعقول مستنيرة وباحثة عما تنطوي عليه من الإيجابيات بدلاً من التقوقع والانغلاق والتحجر خلف أسوأ ما لديهم من الثقافات الشمولية الجامدة، وما تنطوي عليه من شاعر الإحباط واليأس الفاشل؟!. لو أنهم انشغلوا بدراسة التجربة الديمقراطية اليابانية أو الهندية، ولا أقول الأمريكية والأوروبية، لما استكثروا على المؤتمر الشعبي العام ورئيسه فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، باني أمجاد اليمن الجديد ومنجزاته التاريخية العملاقة، ونجاحه في دورتين انتخابيتين متلاحقتين واعدة بالتفاؤل والأمل في نجاحات لاحقة ولو بعد حين من الصبر. ولو أنهم درسوا هذه التجارب الإنسانية الناجحة وما آلت إليه من النتائج الديمقراطية التي مكنت الأحزاب المعارضة من النجاح المنقطع النظير على الأحزاب الحاكمة؛ فها هو الحزب الديمقراطي الياباني تمكن من الحصول على الأغلبية الساحقة بعد خمسين سنة من الانتظار على الحزب الحكم برغم ما حققه لليابانيين من منجزات اقتصادية هي أقرب إلى المعجزات. مؤكداً بقدرته على الانتظار والصبر والصدق أنه يستحق الحصول على ثقة الهيئة اليابانية الناخبة الصائرة والسائرة حتماً نحو التغيير ولو بعد حين من الثقة الجامدة بالحزب الحاكم الذي كان له شرف قيادة اليابان من النظام الامبراطوري العسكري الصارم وغير الديمقراطي إلى النظام الديمقراطي القائم على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان. أخلص من ذلك إلى دعوة أحزاب المشترك إلى الانتقال بذاتها والسعي المستمر لاسترضاء الشعب اليمني، وتبديد ما لديه من المخاوف من خلال حسن استخدام سلطة المعارضة بمسئولية ومصداقية باعتبارها أقرب الطرق إلى نيل ثقة الهيئة الناخبة، بدلاً من البحث عن سلسلة لا تنقطع من المتاعب الناتجة عن افتعال الأزمات وما تنطوي عليه من التحديات المخيفة والطاردة للثقة الشعبية حتى لا يترسخ في تفكير الهيئة الناخبة ما علق في الأذهان من ممارسات شمولية في تجاربكم البعيدة والقريبة مع الحكم.