في البدء كانت حلماً، ثم ما لبثت أن شبّت عن طوق الأماني لتصبح وعداً.. وكأنها عقدت موعداً مع ذاكرة الوطن.. لقد طال مخاض الأيام والأحلام والمواعيد التي انكسرت على قارعة الطريق.. لكن المسافة بين «صنعاءوعدن» كالمسافة بينها والروح على خارطة الجسد.. قريبة جداً، طوتها أنفاس المحبين وأوجاعهم في زمن لا يقاس بحساب عقربة الليل الطويل ومخاضات الانتظار.. ولكن يقاس بحسابات مد الفداء الخرافي؛ البطولة والرجولة الذي اختصر المواعيد الجليلة والجميلة في لقاء واحد لا غير، شق الصمت بالفطرة ليصبح فكرة وتولد ثورة..ثم ماذا؟ لا شيء غير الدم الذي تسكّب ولايزال حراً كريماً من أعالي جبال عيبان وشمسان وردفان، ومن كل الحقول والسهول والوديان، منتصراً للأرض والإنسان في وطن الإيمان.. اليمن السعيد. فالسادس والعشرون من سبتمبر 1962م، والرابع عشر من أكتوبر 1963م «واحدان» ارتسما على صفحات تاريخنا المعاصر: فتحاً يمانياً ثائراً ونصراً وطنياً تحررياً ونهضوي الطموح، وقد استكمل صناعة الثورة من أول قطرة دم فدائي بطل سكبت على بوابة «دار البشائر» وحتى خروج آخر جندي بريطاني مستعمر من عدن الحبيبة. وإذن.. أي ثورة يمنية هذه التي تفجرت براكين غضب ملتهبة ضد طواغيت الإمام والحكم الكهنوتي المستبد، وضد الاستعمار الأجنبي الباسط احتلاله ونفوذه على أرض الوطن؟!. إنها ثورة الحرية ضد العبودية وضد الطغيان وثورة الكرامة ضد المذلة وثورة الفكر والإبداع ضد الجهل والتخلف وثورة شعب موحد الأرض والمصير، فكان الثوار وكان الأحرار وكان فجر سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر إشراقة وضاءة الخطى على دروب الشهداء أهدافها: السير بالأجيال والوطن إلى غدٍ جديد، غد البناء والنماء والعطاء والوحدة المجيدة في يومها المجيد ليبدأ النشيد بصوت صانع اليمن الجديد: «النصر للشعب والأمجاد للوطنِ فليزهو ذو يزنٍ في عرس ذي يزنِ ولينتهي كل دجالٍ وموتورٍ وممتهنِ يا ثورة الشعب كم يزهو الغد اليمني وهاهي قوافل المسيرة تجدّ في الخطى على دروب الانتماء لله والوطن والثورة المجيدة والوحدة اليمنية الفريدة والقائد الإنسان فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح. هاهي القوافل المتألقة أجيال ثورتنا ووحدتنا تسير على هدى من ثوابتها الوطنية خلف قيادتها الرشيدة بجاهزية واستبسال منقطع النظير في الدفاع عن الثورة والوحدة وكل المنجزات العظيمة التي كتبت اسم اليمن بحروف من نور الأصالة والمعاصرة المتوثبة والمواكبة بكل الآفاق ليبقى سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر والثاني والعشرين من مايو رموزاً وطنية خالدة في سفر السابع عشر من يوليو 78م الممتد فينا إنساناً بحجم الشعب ليخلد الوطن حراً كريماً لا يهاب الخائنين من أبنائه الجبناء، مداميكه الراسخة في تخوم أمجاده العظام يسمو عليها بنيان دولتنا اليمنية الحديثة.. فألف تحية لك يا أعيادنا الوطنية تزهو بها مواكب الأبطال في خنادق الدفاع عن ثورة الوطن ووحدة اليمن وكل العطاءات العظيمة. تحية لكل جندي وصف وضابط ومواطن شريف يخوض معركة الوفاء ضد أعداء اليمن ومكتسبات ثورته المجيدة. تحية لك يا وطن اليمانيين الشرفاء وأنت تحتفل بأعياد ثورة الثوار والشهداء الأبرار في خضم المواجهة مع الأشرار أينما كانوا. تحية لك يا سبتمبر ويا أكتوبر ويا نوفمبر ويا مايو ويا كل أيامنا العاطرة برياحين الدماء وهي تروي عناقيد التراب في أرضنا السعيدة.. والمجد والخلود لكل الشهداء على امتداد أيام ثورتنا المجيدة. وليحيا اليمن وطناً يعتز بتاريخه وحضارته وأمجاده وحاضره ومستقبله، ولك أيها الشعب اليمني الأصيل جلّ الإجلال والإكبار وأنت تقف جنباً إلى جنب مع ثوابت الوطن متلاحماً لا تهاب خيانة العملاء.. والنصر لليمن.