تكمن عظمة الثورة اليمنية “سبتمبر- أكتوبر –نوفمبر” أنها خرجت إلى الدنيا من رحم وطنٍ واحدٍ اسمه “اليمن”.. اليمن الأرض التي لم تعترف منذ الأزل بأي حدودٍ مصطنعة على خارطة جغرافيتها الطبيعية الواحدة، واليمن الإنسان الذي ماتنكر – قط – لهويته الإنسانية والوطنية الشديد الانتماء لأرضه ومجتمعه اليمني الكبير.. المجتمع /الشعب الذي ما خارت قواه الفكرية والوطنية والعقائدية والحضارية والتاريخية والإبداعية على امتداد القرون وظل محافظاً على ملامح ارتباطه بأرضه في وحدة متينة كأنما هي وحدة الروح بالجسد.. كما ظل وفق هذه المعطيات إنساناً أصيل المنبت والنماء محافظاً على مقومات عروبته التي كانت ومازالت وسوف تبقى جزءاً منه وهو منها الجزء الذي لا يتجزأ أرضاً وإنساناً ودماً ولغة وتاريخ حياة.. ومن هذا المزج النقي التراب والآدمية جاءت الثورة اليمنية عظيمة كأرضها الطيبة وإنسانها الذي يعشقها وطناً مسكوناً بالتوحد.. مسكوناً بالحرية والكرامة والثورة.. ففي الوقت الذي كانت فيه جموع الشعب في صنعاء وفي صعدة وحجة والمحويت وفي ذمار ومأرب والجوف وفي إب وتعز والحديدة والبيضاء.. الخ.. تخط بدماء أحرارها مسيرة الوطن لتصنع موعداً مع الحرية... كانت الأرض في ردفان والضالع وعدن وأبين وشبوة وحضرموت.. الخ تشعل تحت أقدام الطغاة براكين من الغضب وكأنما الأرض وإنسانها اليماني الأصيل قد أتيا موعدهما مع الزمن في وحدة واحدة ضد كهنوت الإمامة المستبد وضد الوجود الاستعماري الأجنبي البغيض ليبدأ مهرجان البطولة والفداء وقد توحدت المشاعر والبيادر على امتداد الوطن.. وماهي إلا لحظة للإجماع الوطني الموحد في أن يكون اليمن أو لا يكون فكان الاختيار الجماهيري العام للموت في سبيل أن يحيا الوطن، وللحرية كي تتكسر قيود الظلم والاستعباد ولأنوار الفجر وصباحات الاستقلال كي تتبدد ظلمات الليل الجاثم على صدر اليمن.. نعم كان هذا هو الاختيار الشعبي ومثله كان اختيار الأرض الطيبة التراب. ومن هنا من واحدية اللحظة التي صار فيها الشعب والأرض وجهي الوطن: انطلقت قوافل الأبطال تروي من دمائها أشجار الكرامة وتزرع من جماجمها أعاصير النهار نهار الثورة اليمنية المجيدة لينكسر صمت الوجوه المعتمة على دوي المدافع المستبسلة وهي تدك حصون الظالمين والطغاة المستعمرين وتنصب على هام كل اليمن بيارق النصر المبين ترفرف عالية على مرأى عيون الدنيا في يوم بدأت منه عقربة الوقت السير إلى الغد وتوحدت به كل أيام الوطن لتصبح “ثورة” ثورة أرض وشعب خرجت إلى الدنيا غضباً وفداء واستشهاداً وحياة.. حياة أمة وتجربة نضال واحدي الإباء وصدق الوفاء والانتماء عنوانه اليمن ومسيرته الظافرة ممتدة حتى الأزل من أول قذيفة دكت معاقل الظلام الطاغية “الإمام” حتى خروج آخر جندي عفن من أرضنا وحلمنا على الطريق إلى الغد.. مسيرة الأحرار ثوارنا الأبرار كأنما قد صار أيلول الفجر وأكتوبر الصبح ونوفمبر إشراق شمس النهار في موكب واحدي الحس والفكر والعنفوان صنعوا لأجيالنا الانتصار فكانت ثورة وكانت وحدة يمنية مجيدة أنجبتها عزائم العظماء وأهدافنا البكر مكتوبة بالدماء نشيداً يردده الوطن بصوت الزمان امتد فينا ميلاد ثورة وشب عن الطوق يوم انتصرنا في 22 من مايو التوهج, وبصوت كل المكان الذي يحتوينا من سفح “مران” حتى “المكلا” شعباً كريماً سليل التحدي، سليل التوحد والانتصار.. فأهلاً بك اليوم ياثورتي عيداً يطارح أيامنا صدق اليقين، ويهدي إلى كل أجيالنا هذا العطاء الذي لا يضام.. أهلاً بك يا يوم الرابع عشر من أكتوبر الخالد في ذاكرة كل الأباة والصادقين لتبدو كأنك في أول الفجر ضوءاً لحاضرنا الموحد حقلاً وخبزاً ونبض حياة أصالة أمة وحدها الله منذ النطفة الأولى في رحم التراب وحتى أنجبت غدها الثاني والعشرين من مايو التوحد والانتصار برغم السيئين والعابثين لتبقى اليمن.