في صبيحة ال14من أكتوبر1963م توج أحرار اليمن من أبناء الحركات الكفاحية جهودهم الوطنية في طريق الخلاص من الاستعمار البريطاني بإشعال الثورة المجيدة التي مثلت الانطلاقة الجادة لاستقلال جنوباليمن من الاستعمار الذي جثم على أبناء شعبنا قرابة 129عاماً حيث عمل المستعمر البريطاني على انتهاج سياسة التفرقة وإذكاء الصراعات بين أبناء المناطق في الجنوب المحتل تجسيداً للقاعدة التي سار عليها الاستعمار المعتمدة على «فرق تسد» وسط سياسة قمعية استخدم فيها الاحتلال أبشع أنواع البطش والتعذيب في حق المقاومين الذين قادوا سلسلة من أشكال الكفاح الوطني الذي شل حركة المحتل من خلال الأعمال الفدائية والمواجهات المسلحة والتظاهرات العمالية والطلابية والنسائية والاعتصامات التي أدخلت المحتل في دوامة أفقدته القدرة على السيطرة على الأوضاع نتيجة تعدد جبهات المواجهة وتنوع أشكالها، حيث كانت مدينة عدن ومعها بقية مدن الجنوب مسرحاً للمواجهات المسلحة والتي جسد فيها رجال المقاومة الوطنية دروساً في التضحية والبطولة والفداء وفي الوقت ذاته شكلت صنعاء مركزاً للتوجيه والدعم اللوجستي وكانت قعطبة مركزاً للإمداد العسكري والبشري لدعم المقاومين ومن خلالها التحق الكثير من أبناء المحافظات الشمالية بجبهات المقاومة البطلة لتطهير جنوباليمن من الاحتلال، وكان لمدينة تعز وجبلة أيضاً أدوار متميزة في دعم ومساندة ثورة ال14من أكتوبر ومعها غالبية محافظات الجمهورية التي جعلت من دحر الاحتلال وإعلان الاستقلال الهدف الأسمى لها بعد أن تمكنت بجهود وبطولات كل الشرفاء من أبنائها من إسقاط نظام الحكم الإمامي الكهنوتي الذي جثم على الوطن لأكثر من 44عاماً حيث شكلت ثورة 26سبتمبر 1962م نهاية متوقعة لهذا النظام البائد، ومن هنا تتجلى أمامنا حقيقة تاريخية لا يمكن إغفالها وهي واحدية الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر حيث توحد أبناء الوطن الواحد الذي عمل الاستعمار والإمامة على تشطيره وتفكيك أوصاله في موكب النضال والمقاومة الوطنية فلم يكن أبطال النضال والمقاومة في شمال اليمنوجنوبه يؤمنون بالتشطير حيث كانت تعاملاتهم في كافة المراحل النضالية وفي مختلف جبهات القتال قائمة على أن اليمن هو يمن واحد وكانوا يدركون الأهداف والمخططات الإجرامية التي يهدف إليها أعداء الوطن من قوى الإمامة والرجعية والاستعمار، وانطلاقاً من ذلكم التوجه الوطني النبيل، شاهدنا تلكم الصور البطولية والفدائية التي رسمها الأحرار من أبناء اليمن شماله وجنوبه في معارك الخلاص من الحكم الإمامي وقيام الثورة المباركة وإعلان النظام الجمهوري وتثبيت أركانه وهي ذات الصور الفدائية التي جسدوها من على قمم جبال ردفان بعد إشعال ثورة ال14من أكتوبر 1963م، وهو ماجعل من الثورتين ثورة واحدة تحمل نفس الأهداف والمضامين ولا غرابة في ذلك كون المصير اليمني الواحد والنزعة الوطنية الخالصة التي تحلى بها الأبطال في حركات المقاومة والنضال هو من أفضى إلى تحقيق هذا المستوى من النجاح رغم كل الظروف والصعاب والعراقيل إلا أن اصطفاف المقاومة في شمال الوطن وجنوبه وعملها بروح الفريق الواحد أثمر عن رحيل آخر جندي بريطاني عن جنوب الوطن الذين فروا هاربين من ضربات رجال المقاومة الوطنية التي منحت جزءاً غالياً من الوطن الاستقلال والحرية بعد استعمار دام لأكثر من 129عاماً كما أثمر ذلك في إحباط كافة المحاولات البائسة التي قامت بها الأذيال الإمامية التي سعت نحو الانقلاب على إرادة الشعب وثورته المباركة ونظامه الجمهوري في الشمال حيث تم وأد هذه المحاولات وترسخت الثورة وتجذر نظامها الجمهوري وبدأ اليمن مرحلة جديدة وعهداً جديداً ولولا الصراعات والحركات اللا وطنية والخلافات التي قام أعداء الوحدة بإذكائها عقب التحرير والاستقلال وفي مقدمتهم بعض السلاطين الذين استغلوا الثقة والمكانة الممنوحة لهم في السعي ضد مسار الوحدة كون ذلك يفشل مخططاتهم ومساعيهم الرامية إلى السيطرة على إدارة شؤون البلاد وتقسيم الوطن إلى كيانات وتجمعات صغيرة يستغلون خيراتها ومصالحها لحساباتهم ومنافعهم الخاصة، لولا ذلك لكانت الوحدة قد تحققت عقب الاستقلال مباشرة، وها هي مشيئة الله قد أبت إلا أن تحقق لليمنيين ماعجزوا عنه في السابق بعد أن توفرت الإرادة السياسية الحكيمة ووأد العناصر المرتزقة والشطرية وقد كان للقائد الفذ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية شرف رفع راية الوحدة اليمنية في صباح يوم وطني أغر من هناك من مدينة عدن من العاصمة الاقتصادية والشتوية في 22مايو 1990م لينهي بذلك عهود التشطير والتشظي وإلى غير رجعة، وها نحن اليوم بعد مرور 74عاماً على قيام ثورة 26سبتمبر و46عاماً على قيام ثورة 14أكتوبر ومرور 19عاماً على قيام الوحدة اليمنية نجني الثمار الطيبة والمكاسب التي لا حصر لها والتي ما كان لها أن تتحقق لولا عناية المولى عز وجل وبطولات وتضحيات أبطال اليمن الأحرار وحكمة وحنكة القيادة السياسية التي عملت على ترجمة أهداف الثورة إلى حقائق ماثلة للعيان وعملت على أن يعم خير الوحدة وبركاتها كل بقعة على أرض وطننا الحبيب ويلمس مكاسبها ونتائجها الخيرة كافة أبناء الوطن دونما تفضيل أو تمييز، فالوحدة قضت على كافة أشكال التمييز المرتكزة على المناطقية والشطرية والمذهبية والطائفية ومهما حاول أذيال السلاطين والإمامة أن يعكروا صفو الأمن والاستقرار والطمأنينة والتطور والنهوض الشامل فإن محاولاتهم مردودة عليهم ولن يفلحوا في تحقيق أي شيء لأن مثل هؤلاء مجرد حثالة وعجزة وضعوا أنفسهم في المكانة والمستوى الذي يتناسب مع قيمهم وأخلاقهم وسلوكياتهم المنحرفة والتي من المستحيل أن نجد لها موطئ قدم في أوساط مجتمعنا اليمني الذي ثار عليها قبل أكثر من 47عاماً وسيظل متحلياً بنفس التوجه الوطني لأنه أدرك أن يمن الثورة والوحدة والديمقراطية لا يمكن له النهوض والتقدم نحو الأفضل بمثل هذه العقليات الرجعية والاستغلالية المأجورة التي تناصب الوطن ومكتسباته الوطنية العداء.