يصعب الإحاطة بالسيرة العامرة لملكة مصر في القرن الثالث عشر الميلادي «شجرة الدر»، فسيرتها المترعة بالتقلبات والنجاحات والتي انتهت بطريقة مأساوية لا تختلف عن مألوف السير في الحاكميات العربية. في العهد المملوكي عندما ضعفت دولة الخلافة، وأصبحت الأولويات نهباً لصراع المتنافسين من بيوتات الحكم، وكانت شجرة الدر في قلب المعادلة فاعلة ومُتفاعلة، مناورة من طراز رفيع ، وحكيمة في تصرفاتها وسلوكها. كانت شجرة الدر نموذجاً للمرأة الجميلة الذكية متعددة المواهب، فقد أجادت علوم الموسيقى واللغة والخط، وتمتعت بجمال باهر لفت أنظار الأمير نجم الدين الذي اشتراها كجارية ثم تزوجها وأنجبت له طفلين، وبعد فترة من الزمن استشعر الملك الأب خطورة بقاء شجرة الدر على مقربة من بيت المُلك فأرسل ابنه «نجم الدين» لولاية إمارة نائية، وعيّن أخاه الصغير أبابكر ولياً للعهد، فأدركت شجرة الدر مغزى تلك الولاية، ولم تتنازل عن مُناجزة الملك الأب من خلال زوجها الذي توجه لاحقاً إلى مصر ومعه بطانة من المماليك الأشداء وعلى رأسهم الظاهر بيبرس، غير أن الطريق إلى القاهرة لم يكن سالكاً فقد وقع الأمير نجم الدين في الأسر من قبل عمه الملك الناصر داؤود فأودع السجن مع زوجته شجرة الدر، غير أنها أبدتْ هذه المرة أيضاً حنكة ودهاءً بعد أن تمكّنت من إقناع الملك داؤود بمُلك الشام ونصف الخراج إن هو سمح لها ولزوجها بالذهاب لمصر، وهكذا كان، فقد تحركت القافلة مجدداً صوب القاهرة وتمكن نجم الدين من هزيمة أخيه أبي بكر، وتولى ملك مصر مع زوجته المثابرة الوفية شجرة الدر . تالياً بدأت الحملات الصليبية بحملة مخططة للاتجاه الى مصر في عام 1249م، وكانت شجرة الدر في قلب الفعل العسكري واللوجستي وأحرزت نصراً مؤزراً على الصليبيين، وكان من باب تحصيل الحاصل أن تتولى عرش مصر بعد وفاة زوجها، وأن تكون أول ملكة في ديار المسلمين . يصف المؤرخون عهدها الميمون بأنه كان عهد شورى وصلاح ونشراً للآداب والمعارف، ووصل مجدها الى حد صك اسمها على الدنانير النقدية، لكن الدولة العباسية المتهاوية اعترضت على أن تكون شجرة الدر حاكمة لمصر، فلم تتنكب المرأة الداهية مشقة مجابهة مركز الخلافة الافتراضي، بل أسرعت الى الزواج من الأمير عز الدين أيبك بعد أن عينته قائداً للجيش، فضربت عدة عصافير بحجر واحد، غير أنها لم تحتسب لغواية المُلك وطبائع الرجال، فبعد حين فوجئت بل صُعقت لخبر زواجه من أخرى، فإذا بالمرأة الداهية، والحكيمة المناورة والملكة المُجرّبة تقع في حبائل الغيرة الأنثوية القاتلة، فتستدرج زوجها إلى مخدعها، ثم تنال منه ضرباً بالقباقب بواسطة خمسة من غلمانها الأقوياء الذين يردونه قتيلاً!!، فتعلن للناس أن الأمير عز الدين مات موتة طبيعية، فلا يصدقها أحد، وخلال سويعات من نهار يتداعى أنصار أيبك المقتول لمحاصرتها واعتقالها، ثم تأتي اللحظة الأكثر مأساوية بموتها على يد الجواري كما مات زوجها على يد الغلمان. قال المؤرخون: إن الجواري ظللن يضربنها بالقباقب حتى ماتت، تماماً كما فعل الغلمان بزوجها المغدور . وبهذا انتهت سيرة وجود وحُكم، وأعاد تاريخ المتاهات والحاكميات الفردية إنتاج جنونه بمقتل ملكة كبيرة، وبطريقة مهينة !!