مجدداً نجد أنفسنا أمام سؤال كبير: لماذا كلما نقطع شوطاً على طريق الممارسات الديمقراطية، يفاجئنا الإرهاب والعنف بأنه سبقنا بأشواط..!؟ لماذا في الزمن الذي انفتحت فيه حكومات دول المنطقة على مختلف الممارسات الحقوقية، والحريات الإعلامية، والشفافية السياسية، غرقت بلداننا بالتنظيمات الجهادية، والدعوات الانفصالية، والفتن العنصرية، والأزمات الداخلية، ولم يعد بين شعوبنا من ينام قرير العين، بغير أقراص منومة ضد الأرق!؟ ألا يفترض أن تكون كل تلك التحولات، والتغيرات في مناهج الحكم العربية رهاناً على غرس الثقافة السلمية، وتعزيز الاستقرار لمضاعفة الفرص التنموية!؟ ألا يفترض بالخيارات الديمقراطية أن تعلِّمنا الشفافية واحترام الرأي الآخر، وتشد أواصرنا المجتمعية بقيم التكافل والتعاون والمواطنة المتساوية..!؟ إذن لماذا خرجنا عن طوق المنطق العام والبديهيات المسلّم بها لدى كل البلدان الغربية..!؟ هناك تساؤلات كثيرة جداً لم يسبق أن سطرناها في ورقة، وطرحناها على طاولة حوار فكري لنبحث عن أجوبة مقنعة تفسر كل ما يشهده واقع بلداننا اليوم.. أو تدلنا على أخطائنا لنتفاداها.. يبدو - من وجهة نظري - أن كل تلك التحولات والمتغيرات في ثقافة مؤسسات الحكم العربية تزامنت بولاداتها مع تحديات سياسية دولية كبرى، كانت على قدر من الخطورة ، لدرجة أنْ بالغنا في ردود أفعالنا، وتجاوزنا مقاييس الانفتاح والتحول حتى بات الواقع الجديد فضفاضاً بالقدر الذي ضاعت بعض ملامحنا داخله كما هو حال من يلبس ثوباً يفوق مقاسه بعدة درجات.. ماحدث في كثير من بلداننا هو أن الحريات والشفافية والحقوق استغلتها نفس القوى التي كانت تقض مضاجع مجتمعاتنا، وتكدر حياتنا، تارة بالعنف، وأخرى بالتطرف، وثالثة بالدجل والشعوذة، ورابعة بالفساد والاستبداد والظلم فكان أن أعادت تسويق نفسها تحت شعارات الحياة الديمقراطية.. وبعد أن كانت السلطة المركزية للدولة تردع تماديها، وتحد من أنشطتها، وتكمم أفواهها عن بث سمومها، وجدت في الحياة الجديدة مئات المنظمات الدولية، واللوبيات السرية العنصرية المقنعة بالمسميات المدنية، تقف في صفها وما إن تحاول السلطة المركزية ردع تطاولها، أو إخماد نيران فتنتها حتى تقافز المجتمع المدني الدولي مندداً ومستنكراً ومديناً تلك «الانتهاكات». وهكذا استشرت كل القوى العبثية، والتيارات المتطرفة على حساب الدولة المركزية.. ووجدت في المناخ الديمقراطي الجديد فرصتها الذهبية في الترويج لأفكارها، وغرس سمومها، والتعبئة لنفسها، وكل شيء تحت مسمى «الحريات» و «الحقوق الديمقراطية».. فلم يعد صعباً على تنظيم القاعدة الترويج والاستقطاب أو امتلاك المقرات تحت مسميات حزبية ومدنية.. ولم يعد صعباً عليه إيجاد قاعدة عريضة من المزكين، والمضللين للرأي العام، والمبررين لجرائمه طالما هناك طابور أحزاب ومنظمات تعمل بنظام «الدفع المسبق» ولا يهمها إن كان وصولها إلى كراسي الحكم مقابل إبادة شعب بأكلمه، وتخريب وطن بكل مقوماته الحضارية.. لذلك لم يعد ممكناً الاستمرار بغض الطرف، ومقابلة حملات التحريض والكراهية والعنصرية المناطقية والمذهبية بعبارة استهجان في بيان سياسي خجول.. ولم يعد ممكناً التعاطي مع الفوضى على أنها مظهر ديمقراطي، ولم يعد ممكناً أيضاً أن تدس الحكومات رؤوسها في التراب خوفاً من بيانات الاستنكار والتنديد التي يصدرها اللوبي المدني.. فلا بد للسلطة المركزية أن تحزم الأمر بقبضة من حديد لتؤكد للمجتمع الدولي أنها أحرص على شعبها، وأكثر رحمة به من كل المنظمات المحلية والدولية..!