لاشك بأن المراقب المحايد والمتابع للمتحدثين في القنوات الفضائية العربية والأجنبية قد أصابه الذهول بين المفارقات الكبيرة للمتحدثين السعوديين الذين تتطابق أحاديثهم مع الخطاب الرسمي السعودي في إدانة المعتدين الحوثيين على المناطق الحدودية وبين التناقضات الفاضحة للمتحدثين اليمنيين المعاكسة للخطاب الرسمي اليمني الذين يدينون الحكومة أكثر من إدانتهم للمتمردين الذين يرفعون السلاح بوجه الدولة. لا، بل والأكثر إيلاماً من ذلك أن المتحدثين السعوديين والعرب يدافعون عن الوطن والشعب اليمني وعن حق الدولة في استخدام القوة المشروعة للتصدي للقوة غير المشروعة للمتمردين على الدستور والخارجين على القانون من اللصوص وقطاع الطرق والقتلة الذين يستمدون قوتهم وانتصاراتهم في ظروف السلم الناتجه عن مساعي وجهود واتفاقات حوارية أكثر مما يستمدونها من الظروف الحربية والاستخدام اللامشروع للقوة المدعومة من الداخل على الخارج، بل ويدعون الدولة ويضغطون عليها بشدة إلى حوار له بداية وليس له نهاية. إن هؤلاء المعارضين الذين يخلطون بين المعارضة البناءة السياسية والاقتصادية الناقدة لصاحب الأغلبية بدافع الحرص على البناء وبين المعارضة الهدامة النابعة من حقد على الوطن والشعب التي تعارض بدافع الرغبة العدوانية في الهدم، وكأنهم ينطلقون من حسابات ثأرية وانتقامية تعاقب الوطن والشعب على ما صدر منه من منح الثقة لصاحب الأغلبية وحجب الثقة عن صاحب الأقلية في الانتخابات العامة الرئاسية والنيابية والمحلية. مؤكدين بذلك أن للديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية والسياسية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة وحقوق الإنسان عواقب كارثية وخيمة على الثورات وحق الشعوب في الوحدة والديمقراطية والحرية والتقدم.. وكأنهم يبررون للأعمال الفوضوية والعدوانية الرامية والمدمرة المقلقة للأمن والاستقرار التي لا تخلف سوى الدماء والدمار والدموع والفقر والجهل، التي تتجاوز أمن الوطن وثوابته الوطنية والدينية إلى الإضرار بعلاقاته مع الدول الشقيقة المجاورة من خلال ما تقوم به من اعتداءات دامية ومدمرة وقاتلة على أراضي ومواطني وسيادة الدولة المجاورة بصورة فوضوية وإرهابية تتنافى مع كل ما هو نافذ من الاتفاقات والمعاهدات والقوانين الدولية المنظمة للعلاقات بين الدول الشقيقة والدول الصديقة. قد يكون خيار السلام هو المعقول والمقبول المقدم على خيار الحرب، لكن الأمر مختلف عندما يتم العودة إلى الجذور الحقيقية للمشكلة الحوثية لمعرفة كيف بدأت وكيف تفاقمت وماهي أهدافها الخفية والمعلنة وكيف تعاملت معها الدولة منذ اللحظة الأولى لبداية المشكلة وكم هي اللجان الرئاسية التي كلفت بتطبيق الاتفاقات السابقة؟ وسواءً تلك التي تمت بمبادرات وطنية نابعة من حوارات سياسية داخلية حزبية، أو تلك الاتفاقات التي جاءت بوساطات خارجية قطرية على وجه الخصوص؟ وماكانت تنتهي إليه من نتائج مؤلمة أضافت فيها سياسة التسامح والعفو العام عن المحكوم عليهم وإطلاق سراح المجرمين والقتلة من السجون تجسيداً لمبدأ الحرص على السلام؟ قوة إلى قوة الحوثيين ومساحات جغرافية إلى المساحات التي يسيطرون عليها، لا بل قل مديريات إلى مديريات ومحافظات إلى محافظات مكنتهم من تجاوز الحدود الجغرافية اليمنية إلى الحدود الجغرافية السعودية. إن الذين يطالبون اليوم بوقف الحرب مع هؤلاء المجرمين المتمردين على الشرعية الدستورية والمنظومة القانونية النافذة دون تحديد للضمانات الملزمة لهؤلاء الخونة بعدم الاستفادة من الوقت وعدم الإعداد والاستعداد للعودة مرة أخرى إلى السلاح والتمرد.. هؤلاء لا يمكنهم أن يزعموا أنهم أكثر وطنية وأكثر حرصاً على أمن الوطن واستقراره ونظامه الجمهوري ووحدته اليمنية وتجربته الديمقراطية من فخامة الرئيس علي عبدالله صالح سواء كانوا أفراداً أو أحزاباً أو منظمات مجتمع مدني أو دولاً شقيقة وصديقة حريصة على الوطن والشعب اليمني صاحب المصلحة الحقيقية في الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الدائمة والمستمرة.. وكأنهم يقولون للدولة اليمنية والدولة السعودية سلموا السلطة وأعلنوا اقتناعكم بالفكرة الأيديولوجية السياسية الشمولية المصدرة من إيران لهؤلاء المعتدين والخونة والإرهابيين، الذين لا حدود لأطماعهم السياسية المعادية للحياة وللحرية والتنمية. أقول ذلك وأجد أولئك الذين يتحدثون بلغة المسئولية الوطنية والقومية نابعة من حرص على احترام الإرادة الحرة للشعوب وأنظمتها السياسية المشروعة جمهورية كانت أو ملكية، يمنية كانت أو سعودية.. يعتبرون التمرد على الدول نوعاً من الخروج من الشرعية إلى الفوضى، ومن السلام إلى الإرهاب، ومن الأمن والاستقرار إلى الخوف والغدر، ومن التنمية إلى التخلف.. لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية العمالة والخيانة الوطنية التي لا تليق بقدسية الانتماء للشعوب ونبله وشرفه وقيمه وأخلاقه ومبادئه الإيمانية والوطنية والدينية. أخلص من ذلك إلى دعوة المتحدثين للقنوات الفضائية المستقلة والمجردة أو تلك الانتقامية الموجهة لهدف في نفس يعقوب إلى مراعاة الحق الموجبة لتوازن الأمانة والمسئولية المستمدة من الإيمان بالله والولاء للوطن والشعب احتراماً لأنفسهم ولما يمثلونه من الأحزاب والتنظيمات السياسية حتى لا تجربهم أهواؤهم وأطماعهم السياسية والاقتصادية في السلطة والثروة إلى تقديم شعوبهم وأوطانهم المقدسة هدية مجانية لهؤلاء الخونة على طبق من ذهب ربما أشعرهم بالخيانة والعمالة للخارج على الداخل ولكن بعد فوات الأوان أو بعد أن يقع الفأس على الرأس؟ لأن اللسان بمثابة الحصان، عملاً بالمثل القائل «لسانك حصانك» «والمرء حيث يضع نفسه»، ولا ينبغي لهذه الفلول الظلامية أن تقودنا من مواقع الإيمان والأمان والحصانة والإخلاص الوطني والتسامح إلى مواقع الهرطقة والخيانة والجحود والفجور في الخصومة والكراهية والحقد الذي لا حصاد له سوى الهلاك المحتوم للأوطان والشعوب.