توطئة: المكارثية السياسية مصطلح منسوب لوزير الداخلية الأمريكي “مكارثي” الذي تقدّم بمشروع حرب شاملة ضد اليسار الأمريكي، وذلك في ستينيات القرن، وقد كانت الانتلجنسيا الأمريكية والأوروبية في تلك الأيام محسوبة على اليسار بشقيه المتطرف والوسطي. وكانت تلك الحرب مشابهة في أفق ما للحرب العالمية الراهنة ضد الإرهاب، مع اختلاف أن تلك الحرب كانت أمريكية داخلية بامتياز، أما الجديدة فإنها حرب عالمية بامتياز، والمستهدفون فيها ليسوا اليساريين الأمريكان، بل المُسلمين المُلتبسين بالسياسة. وقد تبلورت مرئيات الحرب الجديدة شكلياً إثر أحداث سبتمبر، لكنها في الحقيقة كانت مبرمجة قبل ذلك مما لسنا بصدد تفصيله في هذه المقالة المكرسة للمسرحي الأمريكي الراحل آرثر ميلر. توفي الكاتب المسرحي الأمريكي آرثر ميللر عن 89 عاماً قبل عامين، وبهذا تكون الولاياتالمتحدة قد ودّعت أحد أقطاب المسرح الأمريكي ممن يقارنون بالمسرحيين “يوجين اونيل” و”تينسي وليامز” بحيث يمكن اعتبار ميللر أحد أضلاع المثلث المسرحي الأمريكي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس طوال القرن العشرين. عرف آرثر ميللر بصولاته الفكرية والسياسية الصاخبة، وبمعاداته للنظام الرأسمالي الذي اعتبره أحد أكثر الأنظمة السياسية وحشية، الأمر الذي حوله لواحد من أقطاب الانتلجنسيا اليسارية الأمريكية. وكان من الطبيعي تماماً أن يتعرض للمساءلات والاستدعاءات أيام الحملة المكارثية سيئة الصيت، ذلك أن ميللر دأب على رفض سياسات الولاياتالمتحدة، واختار نهجاً مُجاهراً في انتقاداته للنظام، كما عُرف عنه التمسك بالاستقلالية في الرأي رغماً عن قوة المؤسسة الأمريكية. وبالرغم من انحداره السلالي من أصل يهودي، إلا أنه لم يعرف عنه الوقوف إلى جانب العدوان الصهيوني الاستيطاني ضد العرب، بل كان يتعاطف مع الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني.