كان الكاتب والمسرحي الأمريكي الراحل آرثر ميلر عدوا لدوداً لفلسفة العنف والقوة النيتشوية.. رافضاً واضحاً للبراغماتية السياسية التي طبعت الزمن الأمريكي, وكغيره من مثقفي اليسار الأمريكي تاق إلى طوباويته الخاصة عبر مسرحياته الرائية لمجتمع ألفي أفضل، وذلك من خلال التكشف على العيوب والخلل الذي أفرزته الرأسمالية التاريخية في الحياة الأمريكية . لكنه وبالرغم من كل سخونات مواقفه ومناطحاته للمؤسسة أحسن التصالح مع نفسه والمجتمع وعاش حياة مديدة وهو في كامل صحته وأناقته الجسدية والروحية . زواجه من الممثلة الظاهرة “ مارلين مونرو” رمى بظلال ثقيلة على حياته الشخصية والفنية، غير أنه رأى في تلك الماجنة السينمائية بُعداً تراجيدياً قلما وصل إليه العارفون لها والمحيطون بها. نصوصه الكاشفة أضاءت عمق أعماق النمط الأمريكي وكشفت المفارقات الحياتية والمظالم الموصولة بتواريخ المتاهات والاستباحات والعبودية، فقد سخر ميللر دوماً من التبرير الرسمي لمشاكل الولاياتالمتحدة وربطها بالمهاجرين, كما استنكر المكارثية السياسية وكافح ضدها بدأب وثبات. نصوصه المسرحية خير شاهد على مقاومته العنيدة للفكر المكارثي العنصري, واستدامة حضوره في المشهد المجتمعي الأمريكي , نابشاً في الخفايا ومتابعاً لدراما الحياة . خاض تجربة زواج عارم وصاخب مع الممثلة الجميلة مارلين مونرو كما اسلفنا, وخرج من سنوات الدفء والجنون بقراءة أُخرى لتلك الجميلة المحيّرة, فقد رآها بعدسات مغايرة للسائد, وقرأ في دواخلها الشاعرية والطيبة, بالرغم من الصورة النمطية عنها بوصفها جسداً نارياً ووجهاً صارخاً، ومباسم موحية. في حياته الطويلة كتب رواية واحدة والعديد من المسرحيات, وجمع إلى موهبته الكتابية ثقافة بصرية أهّلته للإخراج , ومن أبرز مسرحياته التي تركت بصمة في تاريخ المسرح العالمي , مسرحيات ( موت بائع متجول ) و ( كلهم أبنائي ) و ( الزجاج المكسور) التي ظلت تعرض يوميا ولمدة 14 عاماً فقط !!