«20» وحاصرت بل وحاربت الأجهزة الأمنية للرأسمالية الأمريكية، إضافة إلى الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري الأمريكيين اللذين يتداولان إدارة السلطة في أمريكا منذ قرون, الفكر السياسي اليساري وبلغت هذه الحرب ذروتها الكبرى حينما ظهرت الحركة «المكارثية» حاملة على كاهلها عملية اجتثاث النصوص الاشتراكية والشيوعية، والتي احتلت مساحة هامة في الأوساط النخبوية، حيث تعاملت الأجهزة الأمنية معها بوصفها شبكات مخابراتية للاتحاد السوفيتي.. واستكملت الحرب الباردة مشوار المكارثية داخل الأراضي الأمريكية وداخل الأراضي التي أقام عليها اليسار نظامه السياسي. وعلى الرغم من سعير الحرب الباردة، إلا أن اليسار أنشأ نظامه السياسي على الأراضي الكوبية التي كادت أزمة الصواريخ تعصف ليس بكوبا بل بالعالم مرة أخرى, وتمكن اليسار في كوبا من إنجاز وحدته الحزبية سنة 1975م وفي نفس الفترة الزمنية والسياسية حقق اليسار في أمريكا الجنوبية انتصارات فعلية مدوية في تشيلي وفنزويلا والبرازيل وبوليفيا وجوانتيمالا وغيرها من الأرض التي اعتبرت من المحرمات على اليسار, واستطاع اليسار غير الرسمي (الحكومي) اختراق النخبة الكنسية مستقطباً من بينها العديد من القادة الكنسيين الذين لعبوا دوراً هاماً في تطوير وتحسين الأداء السياسي للحركة اليسارية في عموم أمريكا الجنوبية.. وشهد نهاية القرن الماضي تطورات دراماتيكية أودت بقسم جغرافي كبير إلى التفكك والخروج عن دائرة اليسار الحكومي، وشمل هذا القسم الدول المنظوية داخل الاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية بصورة شاملة, واكتوت الدولة اليوغسلافية بالحروب المشينة، والتي أدت إلى تشظي الاتحاد اليوغسلافي إلى دول مستقلة وتجنبت الصين وكوريا وفيتنام وكوبا مصير الاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، ومازال اليسار الرسمي قائماً وفقاً لقواعد وضوابط عمل سياسي من طراز جديد. والمشترك بين اليسار الحكومي هو: (1) الإمساك بزمام النظام السياسي وأجهزة السلطة، مع بعض التعديلات في النظام الاقتصادي، كما هو حاصل في الصين التي مازالت ترفض وبحدة التعدد الحزبي، وحتى تعدد التيارات السياسية داخل الحزب الشيوعي الصيني. وفي كوريا تصر قيادة العمل السياسي ليس فقط لاحتكار الحزب الواحد للسلطة والعمل السياسي ليس فقط لاحتكار الحزب الواحد للسلطة والعمل الحزبي بل تصر على احتكار أسرة «كيم ايل سونج» للقيادة الحزبية والسياسية وقيادة سلطة الدولة. إن نص «لينين» اليساري الشمولي الذي قال فيه: «حيثما وجد حزبان شيوعيان فإن أحدهما انتهازياً» أضحت قاعدة سلوكية لليسار في العالم خلال القرن العشرين, واستغل «ستالين» ومن ورثه هذه المقولة؛ لاتهام أي حزب سياسي يساري معارض للأحزاب اليسارية الحاكمة بالانتهازية والخيانة وتم شطب «المنشفيك» أي الأقلية في روسيا وبقية الأحزاب الأخرى من خارطة العمل السياسي، واقتفت دول اليسار في العالم حذو ستالين إلى أن انهار النظام السياسي اليساري في الاتحاد السوفيتي. (2) إحلال الطغمة الحزبية أو الأسرة محل الحزب ومحل الطبقة, وإحلال ديكتاتورية الطغمة أو الأسرة ومكافحة النص الديمقراطي والحرية، وتجلى ذلك في عبادة شخصية «ستالين وبريجنيف وماوتسي تونج وكيم ايل سونج وفيدل كاسترو» ودفعت العديد من الكوادر السياسية المعارضة حياتها ثمناً لهذا المشترك، ومن أبرز تلك الوجوه «روزا لكسبمورغ» و «تروتسكي» وقادة تشيكوسلفاكيا والمجر وبولندا. لقد جلبت هذه الطغم والأسر الأضرار الجسيمة للنص اليساري، ومكنت الأجهزة الرأسمالية من الاحتراف والعمل بفعالية من الداخل, ومازالت الأحزاب والتنظيمات اليسارية في العالم تعاني كثيراً من إرث المركزية والصنمية والأوامرية السلبية والخوف من الديمقراطية. (3) التخلي عن رسالة اليسار التاريخية وهي الأخذ بتلابيب الحرية والديمقراطية، أي تحرير المعذبين في الأرض من الاستقلال البشع وإقامة العدل الاجتماعي وعدم احتكار السلطة وإشاعة القمع والإقلاع عن النصوص المقولبة الجامدة واحتكار الحقائق والادعاء بالتمثيل المطلق للناس جميعاً أو حتى لطبقة بعينها. رابط المقال على الفيس بوك