«21» وعلى الرغم من المشتركات السيئة التي تحكمت بمقاليد أمور اليسار الرسمي (الحاكم في الكثير من الدول) وتوابعه المنظوية في إطار الأممية الشيوعية ومركزها الجيو - سياسي موسكو، إلا أن هذا اليسار ظل محتفظاً برسالته العظيمة من خلال الحركات اليسارية المناهضة للأيديولوجية الجامدة ولمدرسة القمع اليسارية ولمدرسة المركزية ولمدرسة الطغمة أو الأسرة البديلة للإرادة الجماعية للبشر المشكلين للمجتمعات في الدول ذات الأنظمة الاشتراكية سابقاً.. وحقاً وفعلاً انهار الاتحاد السوفيتي ككيان دولتي لمجموعة متظافرة من العوامل والأسباب الموضوعية الناجمة عن تحريف النصوص واستخدامها سياسياً لتتطابق ومصالح الطغم والأسر التي استولت على قيادة اليسار منذ اختطف ستالين السلطة الحزبية وسلطة دولة روسيا الاتحادية, ومن أبرز النصوص والأسباب التي شكلت حمالة الجنازة لعهد يساري سوفيتي فيه ما كان جميلاً ورائعاً خاصة العلاقات التي شمخت بين سكان الاتحاد السوفياتي وبين الشعوب الأخرى المستفيدة من العطاء بدون مقابل, وفيه ما كان سيئاً في مجال حقوق الإنسان والحريات. ومن وجهة نظري كان نص إقصاء التعددية الحزبية والاستحواذ على السلطة التنفيذية قد خلق ميلاً خطيراً نحو تحويل الأحزاب اليسارية إلى أحزاب فاشية لا تقبل القسمة بين اثنين «رفاق, أصدقاء» تحت شعار «إذا وجد حزبان شيوعيان فإن أحدهما - حتماً ومؤكداً - انتهازي وجب مكافحته واستئصاله», وفي هذا البحر سالت دماء أضافت إلى اللون الأزرق لوناً أحمر، وهو معروف ومدون بكل وثائق اليسار الحكومي (الرسمي)..وأفصح خطاب التباهي بمناسبة انهيار الاتحاد السوفيتي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي «ريجان» عن عمل حثيث بدأ منذ 1945م معتمداً على قواعد اشتباك جديدة مع حركة اليسار الدولي؛ إذ قال: إن الإدارة الأمريكية أنفقت لغرض الحرب ضد الاتحاد السوفيتي خمسة تريليونات دولار(5 تريليونات) إضافة إلى مساهمة الدول الدائرة في فلك الولاياتالمتحدةالأمريكية, وهذا دليل دامغ على فعالية نظرية المؤامرة التي اعتمدها التحالف الدولي ضد الاتحاد السوفيتي، والتي كانت أهم محطاتها الحرب في أفغانستان بواسطة أداة متخلفة جداً وأكثر بشاعة هي القوة البشرية للوهابية المتوحشة. والمرض الذي استحكم في قلب اليسار الحكومي وأدى به إلى الوقوع فريسة للمؤامرة الرأسمالية تكثف في تجنبه الكلي وبدون مراجعة جادة وشفافة تطبيق مصفوفة من الإجراءات الجوهرية ذات الأبعاد التنموية الإنسانية، وهي على سبيل المثال عدم القدرة على: (1) التحرر من القيم الاقتصادية السيئة المقيدة لحرية السوق والاستهلاك القائم على الرغبات والحاجات والأذواق الفردية والجماعية. (2) التحرر من عبودية الصناعات الحربية ومن شعار «من كل حسب قدرته فقط ولكل حسب حاجته»، وهو الأمر الذي حرم المجتمعات من العمل وفقاً لمعايير عملية وإنسانية في آن واحد, ووقع المجتمع تحت وصاية اليسار الحكومي وتحت وطأة ليست الرأسمالية وصفوتها الطغمة المالية بل تحت وطأة طغمة الحزب الواحد وهي التي تقرر كيف يعمل ويستهلك الإنسان. (3) التحرر من العبودية الذكورية، والذي كان ينبغي أن يكون في مقدمة الأجندة, وعلى الرغم من الإنجازات الكبيرة في هذا المجال إلا أن العبودية الذكورية تجلت بأشكال جديدة جعلت من المرأة قيمة سلبية يستطيع الذكور إخضاعها وفرض برامجهم السياسية عليها. (4) التحرر من النص الغيبي الذي ظل جزءاً من حياة المجتمعات اليسارية, أي أن النشاط الفكري تحول إلى فكر مدرسي يخدم القوى المتسلطة, فهذا مسؤول الدعاية في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي وهو أوكراني لم تستغرق عملية تحوله إلى الرأسمالية سوى ساعات إن لم تكن ثوان؛ حيث قاد ما يعرف بعملية تفكيك الاتحاد السوفيتي والظفر باستغلال أوكرانيا وحظي بمنصب رئيس الجمهورية. (5) تسييد القيم الإنسانية التي بدونها يعيش الإنسان بوصفه قطيعاً حيوانياً تملى عليه الأنماط السلوكية, هذه القيم على رأسها حرية الرأي والتعبير والحق في اختيار العمل والحياة الخاصة. رابط المقال على الفيس بوك