أسباب كثيرة تجعل مؤشر التفاؤل يتراجع عند الناس وينخفض إلى أدنى مستوياته ويحل التشاؤم محله ويحتل أوقاتهم، وقد ينقلب إلى حالات من القلق والخوف الشديد.. هذا الأمر في جزء منه هو انعكاس لما يحدث على أرض الواقع وما يحدث ليس بخافٍ على أحد إلاّ من أغلق على نفسه أبواب الحواس والإحساس والإدراك، وبالمناسبة هناك الكثير من الناس نأوا بأنفسهم عن متابعة ومعرفة ما يحدث هنا وهناك، وابتعدوا عن أسباب وجع الرأس كما يقولون وهي قراءة الصحف ومتابعة نشرات الأخبار في الفضائيات خصوصاً هذه الأيام لأنها سبب رئيسي لانهيار التفاؤل بالحياة وبالمستقبل وسبب رئيسي لأوجاع الرأس والقلب بما تبعثه من قلق وخوف وحرق أعصاب.. ولذلك أقول: أنه بالإضافة إلى الأسباب الواقعية التي لا شك أنها لا تبعث على التفاؤل وتدعو للقلق والخوف لكن ليس على النحو الذي تصوره صحف الإثارة وهي كثيرة في ظل مناخات الحرية السائدة في زمن الديمقراطية، والتي تجعل من أبسط مشكلة معضلة كبرى وتخنق الأمل عند القارئ أو المشاهد وتجعله يأوي إلى زاوية مظلمة من الكآبة والخوف.. هذا النوع من الصحف والفضائيات ليس له من هدف أو رسالة يسعى لإيصالها إلى الناس سوى الرعب وعندما يكون الحال كذلك تصبح هذه الوسائل الإعلامية أمام علامات استفهام كبيرة وكثيرة لأنها جزء من معركة تُدار على هذا البلد سواء اعترفنا أم لم نعترف أدركنا أم لم ندرك.. ما هو الهدف من ضرب معنويات الناس تجاه كل القضايا والتحديات؟ وما هو الهدف الذي تسعى لتحقيقه هذه الوسائل الإعلامية من خلال زراعة الخوف واليأس في قلوب الناس وعقولهم؟ ومن سعي أصحابها لزعزعة ثقة المجتمع ببعضه وثقته بالمؤسسات القائمة التي لولاها لكانت الأوضاع غارقة في الفوضى والدمار؟ لقد تعّدت المسألة حدودها الطبيعية ولا مجال للتصديق ببراءة ما يُنشر وما يُذاع، فالجهود كبيرة، وهناك من يفهم أن «وراء الأكمة ما وراءها» وكل هذه الجهود المبذولة هي من أجل خلق حالة إحباط عامة من خلال المبالغة في تصوير الوقائع والأحداث والقضايا والمشكلات ونفي كل إمكانية لتجاوزها أو حلّها وتصوير الأمور وعرضها على أن الكارثة قادمة لا محالة وأن الفوضى هي النتيجة الأكيدة وفي أقرب وقت سوف تعم وتطم.. لأن هناك من يصدّق كل ما يقرأ وكل ما يسمع ويشاهد فلا غرابة إن وجد نفسه في أحضان التشاؤم والاكتئاب.. هذا على افتراض أنه يخاف على هذا البلد ويهمه مستقبله ومستقبل الناس جميعاً وهو إحساس ناجم عن فطرة سليمة وقيم غير مشوهة.. وهناك من يرقص طرباً حين يقرأ أو يسمع شيئاً من ذلك القبيل وينتظر بفارغ الصبر اللحظة التي يتحول فيها ذلك الكلام إلى واقع ملموس.. ولا أجد من تفسير لهذا الرقص والفرح بمَقَدم الكارثة وحلول المصيبة وأنا أثق جيداً أن الراقصين انتظاراً للفوضى والكارثة، لا يدركوا حقيقة ونتائج ما يرقصون من أجله ولو أدركوا لما تمنّوا ذلك ولما فرحوا به ولسوف يلعنون من يسعى لذلك، وحين يصرون على موقفهم من الخراب والدمار بعد أن يدركوا ذلك فلا مجال إلاّ لوصفهم بالمرضى وأحسب أن الكثيرين ممن يسعون لذلك ومن الذين يثيرون الخوف والقلق والإحباط كجزء من أهداف أرادوها تتحقق في هذا البلد هم مرضى نفوس وأصحاب قيم مختلة وأخلاق فاسدة حتى وإن كان القصد هو الإثارة بهدف الربح والمكسب واستبعدنا الدوافع الأخرى التي تحرك عجلة الصراع وتسعى لإثارة الفتن والأحقاد والكراهية بين الناس في البلد الواحد ليكونوا وقوداً لمعركة تفضي إلى ما يريد الممول وتسهل مهمته وأهدافه المعروفة..