اعتاد الكثير من الناس على تناول الشاي بعد اكتمال «التخزينة» ولذلك تكتظ المقاهي مساءً بأصحاب هذه العادة، ومن تلك اللحظات تبدأ مرحلة جديدة من علاقة الناس بالهموم والمشكلات، حيث يشتد الصراع بين الطرفين، وغالباً ما تنتصر الهموم وتأخذ المشكلات حجماً أكبر من حقيقتها فينعكس كل ذلك على مزاج ونفسية الشخص الواقع تحت طائلة الهموم فيبدو متشائماً منهزماً إلى حد بعيد، و تستمر هذه الحالة لساعات طويلة وربما تمتد إلى صبيحة اليوم التالي ما لم يتدخل النوم لفض الاشتباك بين الناس وهمومهم الحقيقية والمصطنعة والمبالغ فيها بحكم تأثير القات والمنبهات الأخرى التي يتم تعاطيها مع القات وبعده. والحقيقة التي يجب التنبه لها هي أن معظم الأعمال والكتابات تحديداً تتم خلال تناول القات أو بعده، أي في فترة التأثيرات الناجمة عنه وفي ساعات الانكسار النفسي التي تعقب زمن التخزينة، ومع هذه الحقيقة نستطيع أن ندرك كم هي الكتابات وربما الأشعار أيضاً متشائمة ومنكسرة إلى حد الهزيمة، فيستيقظ القراء والناس على صحف وكتابات تطفح بالقلق والخوف والمرارة حيث تبدو الأوضاع من خلالها مرعبة للغاية. في واحد من المقاهي جلس أحدهم يحتسي فنجان الشاي المقرر بعد القات وفي ذات الوقت كان يتصفح واحدة من الصحف ويجول بناظريه على العناوين التي تصب كلها في دائرة الانكسار والتشاؤم المفرط وما هي إلا دقائق معدودة حتى وضع يديه على خديه وأطرق شارداً في عوالم الهم والخوف وقد اجتمعا عليه تأثير القات وتأثير العناوين والموضوعات التي مرّ عليها في الصحيفة التي كان يقرأها، واستمر على ذلك الحال من الشرود إلى أن ضاقت عليه الآفاق فعاد منتبهاً لوضعه الذي هو فيه مُعلِّقاً على الحال بأنه مرعب والوضع مخيف والله يستر أيش الذي يمكن يحصل بعد ذلك؟. ما حدث هو أنه كان في وضع نفسي سيء وأضافت له صحيفة الهم ما ضاعف من همومه حتى رأى الدنيا على شفا هاوية وهكذا همس لمن كان بجواره قائلاً:البلد على كف عفريت وأشار إلى مجموعة عناوين تدل على صدق ما يظن وقلّب الصفحات وهو يشير إلى العناوين والمقالات والأخبار وكلها من جنس الإثارة والرعب، حتى الصفحة الأدبية أخبارها مخيفة والقصيدة الشعرية مهداة إلى روح «إسحاق رابين» حيث لم يجد كاتبها من يستحق ذلك الاهداء فكان من نصيب رابين ولا حكمة لهذا الاهداء سوى اللحظة التي كُتبت فيها وأشياء متعلقة بثقافة الكاتب والناشر ولا يحتاج هذا إلى تعليق أكثر. المشكلة في حقيقتها أن الكتابة عند البعض قد تحررت من المصداقية والمسؤولية وأصبح لها هدف غير ما يقال عن أهداف الكتابة ورسالة الصحافة..لقد فعلت السياسة فعلها في هذا الجانب وجاءت الإثارة لتضيف إلى السوء سوءاً عنوانه اكذب أكثر لتبيع أكثر، ولا يمكن تجاهل مسألة تأثير القات في صياغة الأخبار وانتقاء العناوين لتكتمل أضلاع مثلث التشاؤم والقلق وإثارة الخوف في النفوس..كل القضايا التي يجري تناولها لا تُعرض كما هي لسبب أو لأكثر من الأسباب التي ذكرت سابقاً دون أدنى اعتبار لانعكاسات هذه الأساليب على الواقع وتأثيراتها السلبية ومساهمتها في تعقيد الأوضاع..