ما انفكت المرأة تحلم بمباهج الحرية والعصرنة والانفتاح، حتى إذا ماسنحت لها الفرصة لذلك شغلها بريق الحضارة، وانغمست بمظاهر جوفاء غالباً ماتسلبها إنسانيتها، وتبتذل أدوارها النبيلة في صنع الحياة. كانت العرب عندما يستنفر أحد رجالها، يثب قائلاً: «أنا أخو فلانة»! ويقسمون برأس فلانة من الأرحام لأن المرأة كانت تفرض قيمتها على المجتمع بسلوك، ومواقف، وأخلاقيات عظيمة، في حين أسقط الانفتاح العصري تلك القيم عن كثير من النساء اللواتي انغمسن بمظاهر وممارسات دخيلة، فلم يعد بوسع بعض الرجال أن يقول «أنا أخو فلانة» في الوقت الذي «فلانة» غارقة في مجلس قات وبوري الشيشة أو المداعة في اليمين!! لقد حضرني هذا المشهد وأنا أستمع لكلمة الدكتورة أروى الدرام - المديرة التنفيذية لمنظمة «سول» لتنمية المرأة والطفل وهي تشعل شرارة أوسع حملة وطنية لتوعية الحوامل والمرضعات بمخاطر القات والتدخين. ولم أستغرب أن تتطلب الظاهرة حملة وطنية، لأنني غالباً ماتوجست خطر التهافت المخيف للنساء على مقاهي «الشيشة»، وذلك الهوس في الربط بين القات والمعسل أو السيجارة وبين مواصفات المرأة العصرية. لاشك أن الأمومة صفة قرينة بالمرأة سواء كانت من جيل جداتنا أو جيل العولمة - فهي الفطرة التي فطر الله عليها كل أنثى، إلا أننا عندما نقف أمام ظاهرة تعاطي القات والتدخين خاصة لدى المرضعات والحوامل ينتابنا القلق ليس فقط على صحة الجيل المرتقب بل على مستقبل هذا الجيل الذي يتربى في أحضان أمهات تتفوق نزواتهن على إحساسهن بالأمومة، الذي يفترض أن يقهر كل سلوك قد يلحق ضرراً بالمولود أو الرضيع.. فإذا كانت القطة تقاتل أعتى الوحوش حتى الموت دفاعاً عن سلامة صغارها فكيف يخيل للمرء أن هناك أمهات يتفرجن على الذبح البطيء لأبنائهن!؟ قد تعتقد بعض الأمهات أن في الوصف مبالغة، إلا أن الحقيقة هي كذلك، حيث إن كل الدراسات والبحوث العلمية أكدت أن القات والتدخين بالنسبة للحوامل هما أحد أسباب التشوهات الخلقية للأطفال والاعاقات المختلفة.. وبالتالي فإن البنت التي تولد مشوهة ستتمنى حين تكبر لو أن أمها لم تلدها.. ولو أن الله عجّل في أخذ أمانته لكونها تتحسس عاهتها، وتتألم منها، ومن نظرة الآخرين إليها.. وقد لايختلف الأمر كثيراً عن الابن أيضاً.. فكلاهما لايحلمان بأي مستقبل لأن هناك أماً اغتالت هذا المستقبل مقابل إشباع نزواتها في «التخزينة» والتدخين!! المرأة في كل قواميس العالم هي رمز العذوبة، والجمال، والنظافة، والذوق الرفيع، فكيف يمكن لبعض النساء أن يحافظن على أنوثتهن والقات ملء الفم.. ورائحة الدخان تفوح من الفم، وحتى من الثياب..!!؟ أليس ذلك يتنافى مع صفات الأنوثة!؟ ألن يكون ذلك انقلاباً على ذاتها الانسانية، وتمرداً على غاية كينونتها البشرية كمصدر للحب والحنان والجمال!؟ وياترى كيف ستبقى الأم «مدرسة» وهي تحتكر الوقت لنفسها وليس لتعليم وتربية أبنائها!؟ إننا لانلقي اللوم كله على هؤلاء الأمهات اللواتي يتعاطين القات ويدخنّ، بل نفترض أن البعض مسحوب بجهالتهن، وينبغي على الآخرين من أفراد الأسرة توعيتهن، ومساعدتهن على الاقلاع عن هذه العادات السيئة لتبقى الأم عنوان سلام الأسرة، والملاك الذي يملأ بيوتنا بالحنان، والمحبة، والجمال.. لذلك أدعو الجميع للمشاركة من موقعه في حملة سول «أمهات بلا قات».. ولندعُ الله بتذليل قطوف الجنة تحت أقدامهن!