كم هائل من الصحف والمواقع على شبكة الانترنت, كلها تصب في اتجاه واحد هو الإثارة وإشاعة حالة من القلق والخوف لدى القارىء من خلال عدّها التنازلي لكارثة مرتقبة على وشك الوصول إلى لحظة الصفر وحدوث مالايمكن توقعه, وإن كانت العناوين واضحة في المتوقع من الأحداث، لكن تلك الصحف والمواقع تسعى بقصد أو بغير قصد لتكريس ثقافة من هذا النوع من خلال ماتتناوله, وفق طرق وأساليب عرض المشكلات والأحداث وهي بذلك تستعدي الجميع ضد الجميع, وهنا يكمن الخطر الحقيقي عندما تنتج مكائن صناعة الشر والأحقاد والكراهية أكثر من مكائن الخير والتسامح والتعايش.. أما لماذا يحدث ذلك؟ فالجواب يكمن أولاً في العدد الكبير من تلك الصحف والمواقع في سوق محدودة القراء، وبالتالي ظهر التسابق على كسب القراء من خلال مايتم نشره, وفي أساليب توظيف الأخبار والأحداث وأنماط الكتابات وحينها تتدخل السياسة والمواقف وتتدخل الحسابات الشخصية وتطل الإثارة بأسوأ صورها لاستدعاء القارىء بما يلفت اهتمامه. القضية هنا أصبحت غير عادية وقد تزايدت الأصوات التي تعمل على خلق وعي ينتج الفوضى, ولايكترث بشيء, ولايقف أصحابه عند حد يمنع انفتاح أبواب الشر على الجميع. ماينشر في كثير من تلك الصحف والمواقع الإخبارية يجري تداوله في المجالس والطرقات وبذلك تلقى أخبار الشر والخوف والعداء رواجاً كبيراً يصل إلى غرف ومكاتب وأماكن من لايقرأون لكنهم يصدقون مايقال لهم ويتأثرون بما يسمعون. أنا لاأنكر وجود مشكلات ولاأقلل من خطورتها على الإطلاق ولكن أقول بأن هناك محاولات جادة ومستميتة لخلق ثقافة تنذر بالكوارث من كل نوع وتزيد من عدد المشكلات وخطورتها.. أصبح الخوف يخيم على نفوس وقلوب الكثيرين, وكلهم يعيشون حالات من الترقب والحذر, حتى صانعو المواقف وصانعو هذه الثقافة ومروجوها وقعوا في قبضة القلق والخوف بعدما رأوا ثقافة مخيفة تستشري وتتعاظم باستمرار لكنها عمياء لا ولن تفرق بين صانع ومستهلك, ومع كل ذلك لم تزل أكثر الصحف تسير في نفس الطريق، ولم تزل أكثر المواقف تدفع بالأوضاع نحو الخطر بعدما تبين لأصحابها إلى أين تسير الأمور.. وفي مقابل ذلك يبقى الإعلام الرسمي دون المستوى المطلوب في مواجهة هذه الثقافة لاعتبارات كثيرة منها الغلبة العددية للصحف والمواقع الأخرى. ومن المهم أيضاً أن نقول إنه في ظل هذا الوضع المشحون وفي ظل المؤشرات القائمة لايمكن الركون إلى وسائل الإعلام المتاحة في ظل مايشوبها من قصور للتصدي لما ظهر ويظهر من ثقافة لاتبشر بخير, ولابد من جهود توعوية كثيرة وكبيرة لاتقف على صحيفة أو عدة صحف في مواجهة الكم الهائل من الصحف والمواقع المتفرغة لصناعة الخوف والأحقاد وتسويق ثقافة ماكان ينبغي لها أن تظهر وتعود بعد عقود من طيها وتجاوزها. هناك جهود لم تُبذل بعد وهناك إمكانيات لم تستغل في هذا الجانب, وفي كل الأحوال تبقى المسئولية جماعية وفي نطاق كل التكوينات الاجتماعية, وفي مختلف المرافق والمؤسسات لخلق وعي وطني سليم يستطيع أن يواجه التحديات وينتج ثقافة مقبولة ومطلوبة عند الناس تدفع بثقافة الخوف والفوضى نحو الكساد.