مع بداية العام الهجري الجديد تأتي دعوة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح للحوار لتمثل بداية حقيقية على الطريق الصحيح، وأعتقد أن كل المخاوف والعقبات كانت ماثلة أمام الأخ الرئيس، وعليه نرى أن الدعوة إلى الحوار تمثل انعكاساً حقيقياً لاستشعار المسئولية تجاه الوطن والمواطن وأننا أولى بحل خلافاتنا دون تدخل خارجي.وقضية الحوار قضية مهمة بدأت مع ظهور الانسان على الأرض، غير أن هذه الآلية في التعايش بحاجة إلى رعاية لإنجاحها، وتتمثل هذه الرعاية في الضمانات الكفيلة بنجاحها، فعلى المستوى المجتمعي فإن ثقافة الحوار تكاد تكون غائبة والسائدة هي ثقافة «لأقتلنّك» أو«ما أُريكم إلا ما أرى» وهو منطق تكوّن عبر تراكمات طويلة. ودعوة الأخ الرئيس إلى الحوار في حد ذاتها جديرة بالاستجابة ولايجب وضع عراقيل أمامها بحجج هي أقرب إلى الهروب والتنصل من الاجابة. فالقول إن الحوار يجب أن يكون تحت قبة البرلمان وليس الشورى عذر واهٍ، لأن المُحاور الذي يقبل بمبدأ الحوار لايهمه المكان وإنما فحوى الحوار ونتائجه ولكن لابد من الاعتراف بأنه إذا لم تهيأ الظروف المناسبة لإنجاح أي حوار فإن الحوار سينتهي إلى الخلاف وتعميقه ويمكن تلخيص هذه الظروف فيما يأتي: العمل على تعزيز ثقافة الحوار وفق ضوابط يتم الاتفاق عليها مع الاعتراف بوجود مشكلات. تعزيز الثقة بين المتحاورين وتقديم حُسن النية قبل بدء الحوار. جعل الحوار السبيل الأوحد لحل مشكلات الوطن وتضمين ذلك وثيقة تلتزم بها كافة الأطراف. الاقتناع الكامل بأن الجميع شركاء في الوطن وأن الحل إنما يكون بتعاون كافة الشركاء. أن يتم الحوار في بيئة صحية وبصراحة وشفافية متناهية. أن تطرح كل القضايا على طاولة الحوار ويتم مناقشة أسس المشكلات وتترك الجانبية منها إلى وقت لاحق، لأن الأمور الجانبية قد تؤدي إلى استئناف الخلاف أو استحداث خلاف جديد. ألا يتعسف طرف في استخدام حقه في كل نقاط الحوار فقليل من التنازلات قد يكون سبباً في إنجاح الحوار. وأخيراً يجب أن يكون الحوار في إطار «دستور الدولة، والوحدة، والجمهورية، والديمقراطية». كل النقاط السابقة كفيلة إن تحققت بإنجاح الحوار مهما كانت نقاط الخلاف تبدو عصية على الحل، أما إذا تمسك كل طرف بوجهة نظره وطالب بفرضها على الآخرين فإن الحوار سيكون كما يقال حوار الطرشان. فالوضوح في الطرح والشفافية وإعطاء الفرصة للجميع لإبداء آرائهم سيسهم في إنجاح هذا الحوار. غير أن بعض المواقف التي صدرت من بعض الأطراف تعطي مؤشراً سلبياً تجاه دعوة الحوار التي أطلقها الأخ الرئيس وتدعو إلى الغرابة وهي أي هذه الأطراف لاتكف عن الدعوة إلى الحوار وإلى مناقشة قضايا الوطن بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حيث ترسل اللجان إلى كل المحافظات في إطار مشروعها للإنقاذ الوطني، وإذا كنا نقدر هذا الجهد فإننا نرى أن دعوة الأخ الرئيس تصلح أن تكون إطاراً لكل الأنشطة الحوارية ولا أرى مانعاً من وضع مبادرتهم على الطاولة. فالأزمات الراهنة لاتسمح بتبادل الاتهامات والمهارات التي تفرق ولاتجمع.. بالنسبة للمتمردين فإن دعوة الحوار تشملهم إن هم استجابوا لصوت العقل وقبلوا بالنقاط الخمس وألقوا السلاح فمرجعية الحوار وثوابته تمثل صمام أمان للجميع. صحيح أن الحرب قد تطول وقد تقصر ولكنها في النهاية مرهونة بمدى استجابة المتمردين للشروط التي وضعتها الحكومة والقبول بمبدأ الحوار. أما عناصر التخريب في بعض مناطق المحافظات الجنوبية فإننا نعلم أن المطالب الحقوقية التي يطالبون بها قد استجابت لها الحكومة وأبدت الاستعداد لحل المتبقي منها ولكن المندسين أبوا إلا أن يشعلوا فتنة تأكل الأخضر واليابس، فالتقطعات والاعتداء على المواطنين وقتل الأبرياء بدوافع عنصرية مناطقية كالجريمة التي ذهبت ضحيتها ثلاثة من صُناع الحلوى في محافظة لحج وغيرها ورفع الأعلام التشطيرية كل تلك الجرائم تجر الحراك إلى مربع الارهاب، وعلى هؤلاء الذين التزموا بالمطالبة السلمية أن ينبذوا الارهابيين وألا يوفرا لهم مكاناً آمناً بل ويجب أن يتحركوا لمحاربتهم مع الدولة لأن أمنهم لاينفصل عن أمن الوطن. بقيت مسألة لا تقل خطورتها عما سبق إن لم تزد وهي الفساد، هذا الوباء الذي ينخر في جسد الأمة وهو وراء كل مشكلة وهو سبب تخلفنا، هذا الفساد الذي يتعاطاه تجار السلاح الذين يعيشون على دماء اليمنيين وعرقهم والفساد الذي يتعاطاه المرتشون والذين انتشروا في كل دائرة ومؤسسة ولم يسلم التعليم منهم فتراهم يمارسون فسادهم في مراكز الامتحانات وقاعات الدرس هؤلاء يجب ألاّ يغيبوا عن طاولة الحوار. إن انجاح الحوار مسئولية كل الأطراف وعلى الحزب الحاكم والمعارضة«المشترك» المسئولية الأكبر كل بحسب حجمه، فلاعذر لمن يحاول تفويت هذه الفرصة والمطلوب التحاور وسيأتي النجاح تبعاً لقناعة المتحاورين بجدوى هذا الحوار.. والله نسأل التوفيق للجميع واليمن مسئوليتكم.