لا أريد أن أكون متشائماً مبالغاً.. فيما سأذهب إليه.. وإلا أكون كمن يفزع بظنونه إلى مجاهل التهويل.. أو كمن يخلع باباً مفتوحاً، ولا أريد أن أفتح حديثاً عن التأويلات السيكولوجية لبعض دوائر السياسة والفكر والكلمة ورجالاتها الأشاوس، ولا أن نغرق في تفسيرات نفسية من أي نوع..!. ولكن أمام هذا الهول المروع والجميع قد امتطى ظهر الشيطان يهدم ولا يعلم أو يعلم.. وبسحر ساحر تطغى أهواء الجناة على الوطن، جلداً ونهشاً بالأنياب والأظافر.. لا مناص لنا من موقف وكلمة سواء.. بل من صرخة مدوية تستنهض الضمير الوطني المصلوب على خرسانات العقول الجامدة والنفوس المعقدة وليس العقائدية..!. الوطن يواجه تحديات حقيقية.. نعم.. هذا أمر نسلّم به ولا ينكره أحد، ليست فتنة الحوثيين التي أشعلوها وصارت حرباً ضروساً تلتهم الإمكانات البشرية والمادية إلا إحدى الأزمات التي لا يمكن التهوين من آثارها المدمرة المؤرقة للوطن، حيث تنظيم القاعدة لم يتوان في محاولاته زعزعة الأمن والاستقرار وإعادة لملمة شتاته ومواصلة أعماله الإرهابية لضرب مصالحنا ومصالح الآخرين.. فضلاً عن المشاكل في بعض المحافظات الجنوبية التي يتزامن معها انخفاض إنتاج النفط وارتفاع معدل البطالة وانتشار فيروس الفساد المتسرطن في كثير من مفاصل الأجهزة الحكومية. ومع كل هذا فإني لا أظن أياً كان يمتلك مبرراً للنعيق بالخراب ونسج أوهام الرعب واليأس لتسميم مناخات الاستقرار، وتعكير صفو السكينة العامة. ولئن كان هذا الضجيج وإثارة الغبار تندرج في إطار الاختلاف وتصفية الحسابات بين القوى والأحزاب وحتى الأشخاص، فإنها بشطط واضح تطال الوطن في الصميم. فقد يختلف السياسيون وغيرهم.. ويصلون إلى حالة الغضب.. ويقرأون على أنفسهم سورة الغضب؛ لكن لا يُغتفر ولا يغفر لهؤلاء الانزلاق إلى هذا المدى. ماذا يحدث؟! الجميع فيما يشبه الفاجعة أشهر خنجره ليغرسه في خاصرة الوطن..!. هكذا ذهبت بعض الأحزاب وقياداتها ومنابرها، وبعض السياسيين والكتاب والمثقفين يجولون ويصولون هجوماً وتهشيماً وتشهيراً بكل ما هو وطني، ولو جمعنا آلاف التصريحات والبيانات و«المشروعات» والمبادرات الصغيرة والكبيرة...إلخ، لوجدناها «سواطير» تشظية للنسيج الوطني برمته. هؤلاء يتباهون بأنهم ينبهون ويقرعون الأجراس ويستشرفون مواطن الخلل والكوارث.. بينما المرارة المفجعة نحسها ونحن نقرأ بتمعن ما يكتبون ويصرحون به، ونكتشف أن لا هم لهم من هذا الضجيج سوى مزيد من الكسب والابتزاز، في مقابل أن يجرعوا شعبهم كؤوس اليأس والإحباط، أو حتى أن يعلقوا وطنهم على أعواد المشانق.. مستفيدين من مناخات الديمقراطية ولكن بطرائق غير ديمقراطية.. وكأنما الديمقراطية التي بدأت في أثينا بالغوغائية وأصدرت حكم الإعدام على سقراط انتهت بنا اليوم إلى إعدام القيم والثوابت الوطنية..!. بتخريجاتهم يزعمون أن دورهم «الرسولي» هو التصدي لموت الوطن والمواطن.. لكنهم - لعاثر الحظ - يطلقون رصاصات الموت إلى صدر هذا الوطن والمواطن شبه يومياً، ويحفرون له ولهم ولنا جميعاً بالتأكيد قبراً كبيراً من حيث يحسبون أو لا يحسبون..!. إن مؤشراً سلبياً - كهذا - يعطينا الحق المعنوي في التنبيه لأبعاده ومضاعفاته، فالحرية بكل فضاءاتها ليست تحللاً من القيم والمثل، ولابد (لهؤلاء) من مراجعة الذات في التعاطي مع ما هو جوهري ومصيري، بدلاً من الجري في مهاوي المحذور. لهؤلاء وأولئك نصرخ مدوياً.. صرخة ضمير.. صرخة وطن: عودوا إلى الرشد والصواب.. افتحوا عقولكم وقلوبكم وخطوط التواصل والحوار البعيد عن أدران التعصب وأمراض الذات. ولهؤلاء وأولئك من يملأون الدنيا بضجيج «وطنيتهم» و«وحدويتهم» أن لا يشنّفوا الآذان بالطنطنة والشعارات الفارغة التي تبطن غير ما تظهر، بل عليهم أن يطربونا بمواقف حازمة تستطيبها الآذان والقلوب والعقول، في مواجهة «الغوغائيين» عازفي دفوف الأزمات وصنّاع الكوارث!. عليهم أن يعلنوا عن أنفسهم في أي مربع.. بدلاً من أن يلعنوا...!. فالحياد تجاه القضايا المصيرية جريمة.. واللا مبالاة صنو الخيانة.. وإغماض العيون واستغفال العقول بات ضرباً من المجازفة..!.