سأحكي لكم اليوم يا أعزائي حكاية "عادل" فعندما كنت طفلاً سمعت نبأ التحاق الطفل" عادل"بالكلية الحربية, فبالرغم من أنه كان يكبرني سناً,إلا أنه ما زال طفلاً, فهو لم يكن قد بلغ الثامنة عشرة من عمره, حينما أنهى دراسته الإعدادية, ليلتحق بعدها بهذه الكلية العسكرية,ويقضي فيها ثلاث سنوات من عمره, ربما هي السنوات التي جعلته بعد ذلك شاباً يافعاً. كان يبدو مزهواً ببزته العسكرية, يطاول هام الجبال فخراً واعتزازاً بانتمائه للمؤسسة العسكرية "الجيش",رغم إدراكه العميق لمتطلبات هذا الانتماء, وفي مقدمتها التضحية بالنفس فداءً لوطنه. ذهب"عادل" يتنقل هنا وهناك, بين ألوية ومعسكرات, ودورات تدريبية ورحلات, واستراحة محارب ومواجهات, من حرب الردة والانفصال في صيف 94م, وحتى حرب الردة في صعدة وبعض المحافظات. كان جندياً ملتزماً, لا يوحي جسده النحيل, بكل ذلك الإصرار, والروح القتالية العالية, فكثيراً ما كان يصفه زملاء سلاحه, بالأسد المغوار في ساحات المعارك، لا يكل ولا يمل, ولا يهدأ له بال حتى يحقق انجازاً في أرض الميدان, لأنه لم يكن يعرف المستحيل, لذلك كان صاحب المفاجآت. عندما تراه في غير ميادين القتال, لا ترى إلاَّ شخصاً صامتاً في حديثه,متحدثاً في صمته, شخصاً ضاحكاً يملأ الحزن محياه, شخصاً دموع فرحه بمرارة مياه المحيطات، شخصاً يحرص على زرع الابتسامة في وجوه الآخرين, في حين أنه في أمسِّ الحاجة إلى مثل هذه الابتسامة, لا لشيء سوى أنه عاش منذ طفولته المبكرة أصعب الظروف, وأشدها قسوة, فلم يعرف للطفولة الحق معنى.. أراد "عادل" أن يمنح كل من حوله حناناً ودفئاً, وخصوصاً طفله "عبدالرحمن" وبناته الست, لكن نداء الواجب كان يحظى دائماً بالأولوية, ليقضي في معسكره من الوقت أضعاف ما يقضيه مع أولاده.. وهذا ما كان يجعله يشعر دوماً بالتقصير, دون أن يدرك أنه كان للوفاء والحب والحنان الدافئ عنوان, لأن هؤلاء الأبناء عندما ينعمون بالأمان في حضن وطنهم,سيدركون أن أباهم هو واحد من أولئك الأبطال الذين صنعوا ذلك الأمان,وحفظوا لهم هذا الوطن. عندما تلتقيه ولو للحظات سريعة, لا يساورك شك في أن ثمة شيئاً ما يبحث عنه "عادل" ولكنه يصعب عليك أن تُدرك ماهية ذلك الشيء.. حتى جاء اليوم فأدركت ذلك الشيء .. إنها "الشهادة" في سبيل هذا الوطن, فها هو "عادل" رجل في الأربعينيات من عمره, بجسم نحيل كعادته,مسجى ملفوف بعلم وطنه, يبتسم استبشاراً بلقاء ربه, شهيداً رائعاً لطالما أحبّ يمنه, فأحبته "اليمن" لتقدمه للعالم بأسره, بطلاً عظيماً لطالما أوجع خصمه, فجاءته طلقة "قناص" غادرة لتستقر بين عينه وأنفه, ورغم أنفه تلقى "عادل" تلك الرصاصة القاتلة, فلو كان الأمر بيده لتفاداها, حتى يتمكن من إلحاق المزيد من الأذى بخصمه. هذا "عادل" قد رحل, وما رحلت معه ذكرياته القليلة زماناً, الكبيرة قدراً. هذا "عادل" قد رحل, وما رحلت معه آلام فرقانا له, الأبلغ قهراً. هذا "عادل" قد رحل,وما رحلت معه آهات ثكلانا, الأوجع أثراً. رحلتَ أيها "البطل", لتترك لنا مفخرة لا نستحقها, فليتك بقيت وتركت تلك المفخرة ترحل, فمازال لديك الكثير من المفاخر, التي كنت الأقدر دوماً على إتيانها. رحلت أيها "الحبيب", لأن هذه هي رغبتك دوماً, فكانت مشيئة الخالق أن يكون رحيلك عظيماً, كما كان وجودك عظيماً.. سامحني يا "حبيبي" .. فأنا اليوم لن أوفيك حقك, ولكنه ديدن حياتنا البائسة التي لا تجعلنا قادرين على التعبير, إلا بعد رحيل من نحب,لأننا بوجودهم أعجز ما نكون عن التعبير. تُرى هل ستذكرنا عند ربك؟ وهل نستحق حقاً أن تذكرنا في ذلك المقام الرفيع في منزلة النبيين والشهداء والصديقين, خير رفقائك يوم الدين؟ ما أظنك إلا ستذكرنا, لأن هذا هو عهدنا بك,كريماً .. حليماً، عطوفاً,ودوداً, عظيم الخصال دوماً.. لك حبي وأشواقي, وآهاتي وأناتي,ولك خالص الدعاء من قلب مكلوم بأن يتقبلّك الله في جناته .. استودعك الله الذي لا تضيع ودائعه يا ابن أبي. نعم.. كان ذلك أخي الشهيد العقيد الركن "عادل أحمد إسحاق" رحمه الله وطيّب ثراه, فله أسأل الدعاء إلى الله بأن يرحمه وكافة شهداء هذا الوطن المعطاء.. آمين يا رب العالمين.. تعز 19 / 1 / 2010م