الحكومة اليمنية التي خرجت منتصرة من مؤتمر لندن، وجّهت صفعة قوية لأعداء الجمهورية والوحدة والديمقراطية فجاوزتهم إلى المعارضة الوطنية التي راهنت على الفشل.. لا شك أن الحكومة أمام مسئوليات خطيرة تستوجب مواجهة وتصويب كافة الاختلالات الأمنية والإدارية والمالية والسياسية والاقتصادية والقضائية الناتجة عن تفشي الفساد وتفاقم الإرهاب بصورة تعيد إلى الدستور قدسيته، وللقانون سيادته الناظمة والمنظمة للمواطنة المتساوية والقائمة على العلاقة السليمة والتناغم بين الفرد وبين المجتمع، وبين المجتمع وبين الدولة، وبين الحرية وبين المسئولية، وبين الحقوق والواجبات، وبين من هم في الحكم ومن هم في المعارضة... إلخ؛ بما يؤدي إلى إعادة هيبة الدولة وبما يمكنها من توسيع سيطرتها على مناطق الأطراف بدلاًً من انشغال الحكومة بمعارك جانبية أهدرت الكثير من الطاقات وبعثرت الكثير من الإمكانيات في صراعات وحروب دامية ومدمرة يتضرر منها الجميع ولا يستفيد منها سوى أعداء الوطن والشعب وأعداء الأمن والاستقرار، وأعداء الحياة والحرية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة المرتبطة بتحسين الأوضاع المعيشية لذوي الدخل المحدود. وحالت دون توفير بيئة استثمارية مزدهرة وحركة سياحية وتجارية نشطة تؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة لتشغيل أولئك البؤساء والمحتاجين الذين تمزقهم البطالة ويسحقهم الفقر سواء من خريجي المدارس والمعاهد والجامعات أم من ذوي الوعي المحدود من العمالة العادية الذين لا دخل لهم على الإطلاق والذين تدفع بهم الحاجة إلى التطرف والإرهاب والفتن، وفي أفضل الحالات إلى إحداث الشغب والسلب والنهب وقطع الطرقات وخطف الأجانب. أقول ذلك وأقصد به أن إعطاء الأولوية لإصلاح تلك الاختلالات الاقتصادية الفاسدة لابد أن يتزامن مع إصلاح الاختلالات السياسية الفاسدة بصورة جادة ومسئولة ومعبرة عن إرادة سياسية وشعبية حازمة وصارمة لا مجال فيها للمجاملات والمفاضلات والاستثناءات وأنصاف الحلول التوفيقية والتلفيقية التي تؤدي إلى إضعاف هيبة الدولة وعدم احتكام الأقلية الارستقراطية المتنفدة للمساواة والعدالة وسيادة القانون التي تعكس المواطنة المتساوية المرسخة للوحدة الوطنية. ومعنى ذلك أن ما خرج به مؤتمر لندن من انتصارات سياسية وأمنية واقتصادية داعمة لوحدة اليمن وأمنه واستقراره وسيادته لا ينبغي التعامل معها من منطلق الغرور والثقة الزائدة بالنفس إلى حد الاستهانة بما يعتمل في الساحة الوطنية من المخططات والمؤامرات والتحديات المخيفة؛ لأن الغرور مقبرة الأبطال، والثقة الزائدة بالنفس هي الخطوة الأولى للغرور وما ينطوي عليه من احتمالات الهزيمة ولو بعد حين من النصر الذي حدث فجأة وسينتهي فجأة. لذلك لابد من العقلانية والموضوعية والدقة في التقييم والتقويم المبني على مراجعة الأخطاء وتصويبها باستمرار حتى لا نكرر في المستقبل ما وقعنا فيه وما اقترفناه من الأخطاء بقصد ودون قصد، وبوعي ودون وعي، والأذكى هو من يستفيد من خصومه ويتعظ من غيره سلباً وإيجاباً طالما اقتنع أن الديمقراطية ساحتان وسلطتان للحكم وللمعارضة. وفي ظل الديمقراطية يصبح التداول على السلطة عملية دائمة ومستمرة؛ لأن النجاح الحقيقي للحكومة لا يمكن النظر إليه من زاوية ما أمكن ويمكن الحصول عليه من المنافع والمصالح الواعدة بقدر ما يمكن الحصول عليه من منظور حسن استخدام تلك المنافع والمصالح المادية المرتبطة بتحقيق سلسلة مركبة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والأمنية المطلوبة. وبالمقابل قد تكون المعارضة التي راهنت على الوصول إلى السلطة من خلال حسابات انتهازية مستعدة للمتاجرة بأوجاع اليمن وتأييد ما يعتمل في أجوائه من المخططات والمؤامرات والصراعات والحروب الإمامية والانفصالية والقاعدية التي دفعتها إلى إطلاق النبوءات غير المسئولة بأن يكون مؤتمر لندن بمثابة المحطة النهائية لإعلان اليمن دولة فاشلة!!. لا شك أن هذه المعارضة المجنونة قد وقعت في مواقف خاطئة ومثيرة للكثير من الشبهات الخيانية التي لا تليق بالمعارضة الوطنية نظراً لما تنطوي عليه من أساليب ووسائل انتهازية رخيصة باعدت بينها وبين رغبة التداول السلمي للسلطة سنوات عديدة؛ لأن الهيئة الناخبة صاحبة القول الفصل في منح الثقة وحجب الثقة لمن هم في الحكم ومن هم في المعارضة وجدت نفسها مشدودة إلى رغبة الأغلبية الحاكمة أكثر مما هي مشدودة إلى رغبة الأقلية المعارضة على ما بين الرغبتين الأولى والثانية من المفارقات الرهيبة والمروعة؛ لأن الفشل يعني تعريض الوطن والمواطن إلى مخاطر كارثية وخيمة لا فرق فيها بين الذين ينتمون إلى الحكم والذين ينتمون إلى المعارضة، وبين الحزبيين والمستقلين الذين يركبون على سفينة واحدة وطائرة واحدة منكوبة بجميع ركابها. ولا شك أن القلة من الناجين سوف يتحدثون للأجيال اللاحقة أن الكارثة الأكثر مدعاة للإحساس بالألم والحزن أن يكون للبعض من هؤلاء الركاب الأغبياء ضلع فيما حدث لإخوانهم من كارثة ونكبة جماعية ستبقى ذكرياتها محفورة وملعونة من الأبناء والأحفاد جيلاً بعد جيل ما بقيت الحياة على الأرض. لأن الذين يورطون أنفسهم في هذا النوع من الشبهات والجرائم التاريخية الملعونة لا يمكن لهم تبرير ما اقترفوه من الجرائم والخيانة العظمى مهما كانت قدرتهم على الرواية والكتابة وقلب الحقائق وتقديمها للناس بصورة معرفية دائمة وثابتة؛ لأن حبل الكذب قصير، وحبل الخداع يقاس عمره بالثواني والدقائق والأيام والأسابيع والشهور وليس بالأعوام؛ الأمر الذي يستوجب الحذر واليقظة والثبات على المواقف الصادقة مهما كانت مريرة ومؤلمة؛ لأن حبالها قوية وصلبة وآمنة مهما بدت مكلفة وموجبة لديمومة التضحية والصبر. لذلك لا أبالغ إذا قلت إن الذين راهنوا على الفشل مصدومون مما حققه مؤتمر لندن من نجاح؛ لكنهم غير مستعدين للمراجعة والاستفادة مما أوقعوا أنفسهم من الأخطاء وما ألحقته بهم من تهمة تشبه «قصة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد» هؤلاء الذين دفعتهم أطماعهم السياسية إلى مثل هذه المواقف المشوبة بالخزي والعار؛ سوف يكررون نفس الأخطاء في حالة تمترسهم خلف ما لديهم من السياسات والمواقف الخاطئة في عدم الاستعداد للمشاركة في الدعوة الصادقة إلى الحوار الجاري الإعداد له تحت قبة مجلس الشورى على قدم وساق. وسيجدون أنفسهم سائرين في غيهم ودعوتهم السرابية إلى حوار الطرشان؛ لا يقدمون رأياً، ولا يسهمون في تقديم ما يحتاجه الوطن والشعب من حلول علمية وعملية لمشاكله؛ فيكون بالتمترس وراء ما سبق الإعلان عنه من دعوة سرابية للحوار من موقع المعارضة وتحت راية الأقلية، متورطين في لعبة عديمة البداية الفاعلية والنهاية المثمرة؛ يتحاورون مع أنفسهم ولا يخلفون من تلك اللعبة سوى الأزمات المنذرة بصراعات جديدة ومأساوية لا شك أن الوطن والشعب قد ضاق بها ذرعاً إلى حد عدم الاستعداد للتكرار الأعمى في هذا النوع من المكايدات والمزايدات التي تبحث عن ديمقراطية لا وجود لها في الساحة. لابد أن يستفيدوا من العبارة التي وردت في خطاب وزيرة الخارجية الأمريكية، أكبر دولة ديمقراطية؛ التي دعت الذين لهم خلافات مع الحكومة اليمنية الديمقراطية أن يكونوا مستعدين للاحتكام إلى شرعية الصناديق الانتخابية دون غيرها من المبررات والأساليب الفوضوية والشمولية التي تخرجهم من معسكر القوى الديمقراطية المحتكمة لإرادة الهيئة الناخبة إلى شريعة إرهابية وانقلابية تتنافى مع أبسط المفاهيم الديمقراطية السائدة في العالم. لأن الثقافة الديمقراطية لا يوجد في مرجعياتها القاموسية ما يطلق عليه مصطلح "الشرعية الانقاذية، أو الشرعية الإمامية أو الشرعية الانفصالية أو الشرعية الإرهابية" هذا نوع من المصطلحات الشمولية اللا ديمقراطية لا يمكن للعالم الديمقراطي القبول بها والوقوف إلى جانبها ومؤازرتها بأي حال من الأحوال مهما استهلكته من الكتابات والخطابات والبيانات المقروءة والمسموعة والمرئية نظراً لما تنطوي عليه من نزعات تعكس الرغبة المستبدة للأقلية في السيطرة على الرغبة الديمقراطية للأغلبية. أقول ذلك وأخلص من القول إلى دعوة الأغلبية الحاكمة إلى المراجعة والتصويب العلمي، واستبدال لغة التعميم والتضليل بلغة التحديد والتخصيص الأقرب إلى لغة العلم والعمل منها إلى تلك الرغبات الإنشائية المبنية على التسطيح والهادفة إلى التتويه؛ لأن الإصلاح أصبح إرادة دولية مساندة للإرادة الشعبية اليمنية الصامدة والصابرة. وأدعو المعارضة إلى مراجعة أخطائها ومحاسبة النفس والتراجع عن التحليق في الخيال والعودة إلى الواقع العملي والعلمي.