مازال الإعلام العربي كبقية القطاعات العربية يعاني من التأثير بل وهيمنة الإعلام الغربي، ويحاكيه، وينهل منه .. وذلك ما يجعل الإعلام العربي إلا ما ندر عبارة عن إعلام استهلاكي كبقية القطاعات الاستهلاكية، ناهيك عن ضعفه وركاكته وعدم فاعليته، ويتوه المواطن العربي في قضايا، ومسائل، وإشكاليات، وأفكار، ومواضيع، وثقافات سلبية، وتدجينية،واستسلامية، وتمزيقية تفتيتية،تقود إلى نشوء الفتن والحروب الأهلية الطائفية، والمذهبية، والسلالية، والمناطقية والقبلية،وما شابه ذلك،وتضعف الولاءات الوطنية القومية.. وتشغل الإنسان العربي وتفكيره في قضايا اجتماعية، ومسائل ثقافية «عادات،وتقاليد» وقضايا علمية،وخرافية لعقود من الزمن على حساب التحول والتغير والتطوير والتنمية والإسهام الفعال والإيجابي في ذلك. فتصوّر أن تناقش قضايا،ومسائل مثل: نأكل بالشوكة أو باليد، نستخدم الملعقة أو لا نستخدمها .. هل الشوكة،والملعقة حرام أم حلال؟! وقس على ذلك الكثير مما نراه غير جائز وشرعاً لأنه مستخدم في الغرب مثل: هل يبيح الدين ارتداء البنطلون أم لا ؟! وهل يجيز حلق اللحية، والرأس أم يحرم ذلك؟! ومثل ذلك بالنسبة للمرأة،وحكاية الحجاب ،والعفاف ،وعورة المرأة والرجل ..مع أن الأمور واضحة وبينة، عورة الرجل مابين السرة والركبة،وعورة المرأة جميع بدنها إلا الوجه والكفين،وعندنا والحمد لله لم يعد يرى الرجل من المرأة إلا العيون، وفي النادر يرى وجه المرأة عابرة في الشارع. نعم نجد أن مثل هذه المسائل تستحوذ على إعلامنا، وتهدر الأوقات الطويلة في النقاش والجدل،والصراع الإعلامي،والفكري بل والحرب الإعلامية والفكرية بين من يبيح ويحرم، وبين من يجيز ومن لا يجيز،وتنتقل مثل هذه المسائل إلى مسائل خلافية، تؤجج الشارع العام وتقسمه إلى فسطاطين فسطاط التحليل،وآخر مع التحريم.. وتنشغل الأمة والمجتمعات الإسلامية أنظمة وشعوباً بمثل هذه القضايا بالعقود من الزمن بدلاً من الاهتمام بقضايانا الأساسية والجوهرية،وأهمها التحرر من التخلف الاقتصادي والسعي إلى بناء اقتصادياتنا الإنتاجية، التي بدونها لا يمكن التحرر من التخلف والفقر والبطالة والجهل، والتخلص من الاستبداد والاستغلال والاحتكار،والابتزاز الأجنبي لسيادتنا،وحريتنا وكرامتنا. طبعاً المسائل والقضايا الإشكالية والحياتية والدينية وخلافها مما يملى على إعلامنا لإثارته وإشعاله، تتم وفق منهج غربي مدروس، بين الحين والآخر لشغل العرب والمسلمين، ومن على شاكلتهم من الشعوب المتخلفة.. وما يسهل عليه ذلك هو غياب أي سياسات إعلامية منهجية،ومؤسسات ثقافية ممنهجة في بلاد العرب والمسلمين .. وفيما عدا التسبيح بحمد الحاكم، أو التقبيح للحاكم.. كل في فلك يسبحون .. طبعاً من «أفلاك الغرب» .. فنحن بكل قطاعاتنا الحياتية نعيش على الاستهلاك.. لأننا نعجز عن الإنتاج، كما أننا نحس بمهانتنا، وأن تعلقنا بالغرب المتقدم المادي يرفع من قيمتنا.. فإلى متى نظل كذلك نعتمد على الغرب في اقتصادنا وتفكيرنا وحياتنا، نخطب وده ،ونطيعه، ونخضع له .. متى سنصل إلى مرحلة التفكير لأنفسنا بشجاعة وجرأة، ونحقق الاستقلال السياسي والاقتصادي والإعلامي والفكري ؟! نحن بحاجة إلى الثقة والحرية.