يشهد العالم أجمع طفرة حضارية وثقافية وثورة معلوماتية هائلة بفعل تطور تقنية الاتصالات التي أدت إلى اختزال المسافات ورفع الحدود المكانية والزمانية وبات التحدي الأكبر لدى الشعوب والأمم في كيفية الحفاظ على خصوصيتها الثقافية والحضارية دون أن يحول ذلك في تفاعلها الإيجابي والواعي مع متغيرات العصر، حيث ترفض العديد من الشعوب طمس هويتها وتتمسك بخصوصيتها الثقافية مع ضرورة الانفتاح على الآخر وتعتبر بقاءها ووجودها مستنداً في الأساس بالانتماء إلى تلك الخصوصية والتمايز عن الآخرين. إن الخصوصية الحضارية والثقافية متجذرة في الحياة البشرية ولا يمكن للجميع أن يسيروا في اتجاه واحد، فالنظرة للحياة تختلف وأنماط العيش تتنوع ولا يعني ذلك أن الآخر سيء أو شاذ، فالاختلاف ميزة طبيعية أقر بها الإسلام, ودعا إلى التعاطي مع الآخر والتعرف به والأخذ والعطاء معه لا أن ندير ظهورنا لمتغيرات العالم، والاختلاف هو للتعارف وليس للتناحر ونفي الآخر والشروع إلى فرض الرأي وإغلاق باب الحوار واتخاذ موقف عدائي غير مبرر. إن الحاجة للحوار مع الآخر ستساعد على فض الخلافات وحلها, ووجود تقارب في وجهات النظر سيحل محل الصراع الحالي وتجنب الاختلال في العلاقات الدولية وهيمنة القطب الواحد على النظام العالمي، وميزة الحوار بين الثقافات المختلفة تعلم التسامح والقبول، وثقافتنا اليوم تعاني من القيود المفروضة عليها وتحد من قدرة الإنسان على التفكير والابتكار, مما يجعل كل محاولات الانفتاح على الآخر تبوء بالفشل وتدفعنا إلى الانكماش على الذات والاكتفاء بالدفاع عن النفس، ونواجه الآخر بنوع من السلبية والعداء وتبادل الاتهامات والتشويه المتزايد وخاصة ًأن المناطق العربية والإسلامية تعاني من فقدان للمناعة الداخلية بسبب غياب الحوار على مستوى الأسرة الواحدة والمدرسة والجامعة, إضافة إلى تضخيم النعرات الطائفية والمذهبية عبر جهات تغذي نيران النزاعات الداخلية والفرقة والانقسام ناهيك عن تدني مستوى التعليم والوعي عند الناس، كل هذا التوتر كان سبباً في توليد العنف وتصاعد الأعمال الإرهابية، فصار من الصعب الوقوف في ندية مع الآخر، ونحن نشتكي من شدة الصراعات في إطار المعتقد الواحد فالظهور بانهزامية وضعف أمام الآخر يخلق لديه أطماعاً ورغبة في تحقيق مصالحه في السيطرة والهيمنة على مقدراتنا. وقبل أن نفتح باب الحوار مع الآخر المختلف، علينا أولاً اقتلاع كل الأفكار المتزمتة والمنغلقة التي لسان حالها إقالة العقل ومحاصرة الانفتاح على العالم وتحرض على ثقافة الموت والكراهية والعداء وبدلاً عنها نسعى إلى إقامة بيئة صالحة ونتجاوز كافة العراقيل لنقف موقف الند مع الآخر، الأمر الذي سينعكس إيجاباًً على قيمة وأهمية الحوار. التفكير المرن ونظرة الانفتاح دون خوف وتوجس من فقدان الهوية والخصوصية الثقافية ليس تخبطاً وتأرجحاً بين الأفكار والاتجاهات ولا رضوخاً واستسلاماً بل هو سلوك للقبول بالآخر والتعايش معه وإيجاد مساحة واسعة للتفكير دون الجنوح إلى المغالاة والتعصب والتطرف. [email protected]