قبل سنين وفي حين كانت تحوم الشبهات حول الكثير من الشباب المسلم في بلاد أمريكا وأوروبا على وجه الخصوص ودعوى انتمائهم لتنظيم القاعدة من خلال علاقاتهم السابقة بمن تم الإعلان عنهم من المشاركين في أحداث سبتمبر 2001م، صرّح أقارب أحد المشتبه بهم من بلد عربي بأن قريبهم لا علاقة له بتنظيم القاعدة ولا بالتطرف الإسلامي.. وقد كان التطرف الإسلامي يساوي في تلك الفترة على وجه التحديد التدين الإسلامي للأسف بدون زيادة أو نقصان.. ولكي يتم التأكيد على صحة مزاعمهم بأن الرجل بعيد عن التطرف أو التدين، قالوا إنه يعيش حياته العادية في شقة مع صديقته الأجنبية ونشروا له صوراً فوتوغرافية تبين تقلباته ومغامراته العاطفية معها. كل ذلك لكي يتم التأكيد فقط على أن الرجل ليس له أية علاقة بالقاعدة .. ولعل البعض أصبح يستهويه هذا الأمر كثيراً فهم لا يبالون أن ينسبوا إلى الفحشاء والفواحش كما لايبالون أن يتقربوا من اسرائيل كما يفعل بعض خوارج دارفور أو يرفعوا رايات الكفر العالمي مقابل أن يرضى عنهم ومقابل أن لا يقتربوا بهم من دائرة التدين خصوصاً مع هذا التداعي ضد كل ماهو ديني إسلامي وفي هذا ما فيه من الفجور الذي يصل حد الإشراك بالله . وفي الواقع فإن دين الإسلام يبرأ من كل عمل ضد الناس أفراداً كانوا أو جماعات أو دولاً إن لم يكن هذا العمل قائماً على حق مقدس مشروع وواضح في الدفاع عن النفس أو مواجهة البغي والعدوان، أو الدفاع عن العقيدة، وهو بهذا يلتقي مع كل التشريعات الإنسانية السالفة والمعاصرة التي اتفق عليها الناس الأسوياء، فهناك الإرهاب الذي اصطلح على تعريفه بأنه قتل المدنيين لأغراض سياسية، وبين المقاومة المشروعة للدفاع عن الوطن وأهله وعن القيم والمعتقدات.. ولكن الإسلام بالمقابل يرفض الفحشاء ويدعو إلى الطهر والتدين الصادق. وبين الإفراط المقيت والتفريط الأكثر مقتاً يوجد التدين الإسلامي الذي يتعلق بنحو ملياري مسلم متدينين بفطرتهم وليس ببعض القادة وغير القادة المفتونين الذين آثروا أن يفجروا ويقتلوا أنفسهم وشعوبهم وغير شعوبهم في غير ثمن يستوجب ذلك. لأجل ذلك فإن مهمة العلماء والربانيين أن يحشدوا مواعظهم وإرشاداتهم ومعارفهم ويوظفوها للحفاظ على دين الفطرة ومواجهة البغي الحقيقي من أدعياء الدين في جانب والمتبرئين من أنفسهم وعقائدهم لإرضاء الشياطين في جانب آخر. بنفس القدر الذي يجب عليهم وعلى سواهم من المسلمين أن يحموا قيمهم وأخلاقهم من الفساد أياً كان مصدره. ونحن نعلم جميعاً من خلال قراءات التاريخ أن هذه الأمة قد ابتليت بالخوارج في كل مراحل حكمها بدءاً من عصر النبوة والخلافة الراشدة؛ وانتهاء بعصرنا هذا، فالخوارج لهم مواصفاتهم الخاصة التي وردت بها الأحاديث النبوية، فهم ينكرون على جميع أولياء أمورهم بدءاً بمقام النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، ثم الخلفاء الراشدين من بعده إلى من دونهم من الولاة والحكام. ومن أجل ذلك فإن من قاتلهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن أنكر عليهم بقلبه، فهو مؤمن، وليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان كما نطق لسان النبوة بهذا. ولا يستلزم إنكار أمرهم ومسالكهم واعتقاداتهم إنكار دين الإسلام وشعائره أو إنكار تدين المسلمين لتحقيق البراءة منهم ومن حالهم، وسواء ادعى هؤلاء أنهم سنة أو شيعة أو غير ذلك؛ فهم الخوارج الذين وردت بهم الأخبار والآثار، وسواء أوصلتهم فتنتهم إلى مآربهم فأسقطوا دولاً أو قتلوا خلفاء وأنهوا خلافتهم وحققوا لأنفسهم رواجاً بين الناس أو لم يفلحوا في ذلك أو فيما دون ذلك، فلا يمنحهم ذلك تميزاً دينياً عند الله أو الناس، فهم كلاب النار كما دلّت عليهم الآثار. فليتنبه المؤمنون لذلك، ولا تختلط عليهم الأقوال والأفعال.