راهن الإيرانيون على موقفي روسيا والصين في معركتهم مع الغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة واسرائيل حول برنامجهم النووي, وكان أغلب ظن الرئيس محمود أحمدي نجاد أن روسيا التي تبني عدة مفاعلات نووية سلمية في إيران وأنجزت اثنين منها في خضم التبادلات والتلويحات بالجزرة أحياناً وبالعصي أحياناً أخرى وبمقابل عدة مليارات من الدولارات تدفع نقداً أو استثمارات توازي ثمن الأسلحة الروسية وأنظمة الصواريخ الحديثة المضادة للطائرات بطيار وبدون طيار. والآن وقد بلغت الأزمة ذروتها واقترب التوتر كثيراً من مراحل الاستعدادات النهائية لتوجيه ضربات عسكرية لكل المفاعلات النووية، خاصة بعد أن وصلت المفاوضات على إرسال إيران كميات من اليورانيوم غير المخصب إلى من يتم الاتفاق عليه وكانت روسيا هي المرشحة لهذا القرب وإعادته إلى إيران لضمان عدم قيام هذه الدولة الإسلامية بتخصيب اليورانيوم بنسبة أعلى من 20 % وهو ما فعلته إيران أو أقدم عليه الرئيس نجاد ابتداءً من يوم الثلاثاء الماضي. فهرع الإعلام الغربي إلى التنديد والتهديد معاً, ووصل الأمر برئيس وزراء اسرائيل نتن ياهو إلى تحريض الدول الغربية وأمريكا على سرعة التحرك لاستصدار قرار من مجلس الأمن لاتخاذ حزمة من العقوبات الشديدة ضد إيران تكون أقرب إلى التصويت على رفع درجة التأهب للقيام بما يخوله البند السابع من ميثاق الأممالمتحدة، أي التدخل العسكري والذي لن يحتاج إلى من يصدق على نوعه ومن هم الذين سينفذونه؛ لأن أمريكا وبريطانيا وفرنسا واسرائيل قد أكملت تقريباً حشد أساطيلها لتوجيه ضربات من الجهات الأربع إذا أضفنا المحيط الهندي الموجودة فيه قاعدة ديجو جارسيا الفرنسية والتي تستخدمها كل الدول القريبة واسرائيل في حالات كهذه. فقد انطلقت منها طائرات بي 52 الأمريكية الاستراتيجية لضرب العراق وأفغانستان في عامي 90 91, وعامي 2001 2003 وأحياناً كانت تقطع المسافة من ألمانيا حيث القواعد الأمريكية الصاروخية والجوية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 45 من القرن الماضي. ومواقف الدول الأخرى خاصة القريبة من إيران سياسياً وجغرافياً مازالت غير واضحة ولا تريد أي منها أن تظهر الانحياز لأي من الغرب أو إيران في شن الحرب أو تنفيذ الضربات الخاطفة من عدمها انتظاراً لما ستسفر عنه آخر جولة من شد الحبل وقد سبق وأن حذروا من إعطاء الأمريكيين وحلفائهم إذناً بشن الغارات عليهم دول باعتبار ذلك سيكون سبباً أو مبرراً لهم للرد على العدوان، وهو كلام مبطن لا يخفى على أحد، وقد سبق أن أجرى الإيرانيون تجارب على طائرات وصواريخ وسفن متعددة الأغراض وصفوها بالمتفوقة على تدمير أحدث أسلحة أمريكا والغرب وحاولوا إظهار فاعليتها في مناورات عديدة أجروها في حدود مياههم الإقليمية، ويعرفون أن الأقمار الصناعية الأمريكية والاسرائيلية تراقبهم وتحلل التقارير المخابراتية الأخرى للوقوف على حقيقة ما تدعيه إيران ومدى خطورته عليهم وعلى أصدقائهم وفي المقدمة اسرائيل التي لم يتردد الرئيس نجاد في أكثر من مرة عن ضرورة إزالة اسرائيل من الوجود كلما اختبروا صواريخهم الجديدة ومداها التي تصل إلى أكثر من ألفي كيلومتر أي إلى العمق الاسرائيلي. وقد كان الموقف الروسي المعلن يوم الثلاثاء الماضي انتقاد قرار الرئيس نجاد بدء العمل في تخصيب اليورانيوم المركز بنسبة 20 % بما يعادل الكمية التي كانوا قد تلقوا عرضاً بتخصيبها في روسيا مثلاً مقابل ما تسلمه لهم من اليورانيوم غير المخصب والكميات أكبر من المطلوب, كان لهذا الموقف ردود فعل إيجابية لدى الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا، وأن من شأنه تعزيز مساعيهم لدى مجلس الأمن لعقد جلسة طارئة بعد أيام يؤكد فيها أن ما وصلت إليه السياسة الإيرانية تجيز اتخاذ قرارات تشبه القرارات التي سبقت غزو العراق وأفغانستان.. ومن المؤكد أن الحرب القادمة لن تحرق رجل واطيها فقط..!