يظل الباب مفتوحاً من أجل الحوار، باعتباره ضرورة من ضرورات الحياة اليوم، فلا يعقل أن تستقيم الحياة بدونه، لأن الحوار سنة من السنن الكونية. فإذا كان الخالق جل وعلا قد حاور إبليس ولم يطلق عليه اللعنة إلا بعد الحوار وعندما أظهر إبليس عنته وصلفه وتكبُّره على غيره من خلق الله وشعوره بأنه أفضل من في الكون ورغبته في التسلط وعدم الانصياع للأوامر الربانية، وعندما أعلن عن ذلك كله لعنه الله سبحانه وتعالى وأبعده من رحمته، ولذلك كله من يعتقد أن الحياة تسير دون حوار فهو جاهل، ولا يقبل بغيره ولا يؤمن بالتعايش مع الآخرين. إن التجارب التاريخية التي عاشها اليمنيون منذ الأزل برهنت بأن اليمنيين دُعاة خير ومحبة وسلام وصُناع حضارة إنسانية، ولم يصمدوا عبر التاريخ إلا لهذه الأسباب.. ولعل قصة ملكة اليمن التي ورد ذكرها في القرآن الكريم واحدة من الدلائل التي تؤكد إيمان اليمنيين المطلق بالحوار باعتباره قيمة حضارية إنسانية تخلق روح المبادرة والتفاعل وحب الآخرين والتعايش معهم، وأن اليمنيين لايؤمنون بالعنصرية ولايحبون التعالي على الآخرين، بل إن سجلهم التاريخي ناصع بهذه الصفات الإنسانية التي جاء الدين الإسلامي مؤيداً ومسانداً لتلك القيم الرفيعة والنبيلة، فقد قال «صلى الله عليه وسلم» وهو خاتم الأنبياء والمرسلين : «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وبناءً عليه، فالحوار قيمة من مكارم الأخلاق تمسك به اليمنيون ومازالوا، وإن ظهر من يدعي العنصرية ومن ينكر الحوار فهم شواذ لايعبرون إلا عن أنفسهم الشريرة ولا قبول لهم في الحياة السياسية. ولئن كان المؤتمر الشعبي العام قد جعل الباب مفتوحاً في موضوع الحوار فإن ذلك تعبير عملي على الإيمان بقيمة الحوار وأهميته للحياة السياسية السليمة، بل وبرهان جديد على مدى تمسك اليمنيين بهذه القيمة الحضارية الإنسانية.. وهنا ينبغي للقوى السياسية شديدة الانتماء إلى هذا المجتمع التاريخي الحضاري أن تبرهن على ذلك من خلال إقدامها على الاشتراك في الحوار وطرح كل مالديها من القضايا على طاولة الحوار بشكل عملي بعيداً عن المناكفة والمزايدة الكلامية التي باتت معروفة للقاصي والداني، ولم ينخدع بها أحد، لأن المؤتمر الصحفي الذي عقده المؤتمر الشعبي العام قد أجلى الحقائق وبيّن الغث من السمين.. فهل يدرك المعنيون ذلك ويبادرون إلى الحوار العملي بدلاً عن المزايدة ؟ نأمل ذلك بإذن الله.