للحرف طاقة هندسية وصوتية ورياضية ووجودية، وكل هذه الطاقات يمكنها أن تدل على مسارات الشعرية الشاملة في الكلام، فالطاقة الهندسية للحر نابعة من التوازن البنائي المحكوم بضوابط وثوابت، فالألف معادل للمسافة الإجرائية لبقية حروف العربية، حيث أن الباء الذي يلي الألف يستقيم على نفس المقاس الطولي وإن اختلف شكله، وهكذا سنجد أن مثابة الأطوال المختلفة للحروف المختلفة في تشابه جبري لا مفر منه، والاستثناء هذا يتعلق بالتضعيف مثل كتابة الجيم والحاء والخاء الذي تتضاعف فيه المسافة الإجرائية القياسية للألف والباء والتاء مما يمكن رصده في علوم الخط العربي. ذات المعايير مرصودة في أساس وتضاعيف بقية الحروف المكتوبة للبشرية الكبيرة، وسنرى أن الصوت تُرجمان مؤكد لهذه الحقيقة، فالألف يمتد في الأثير لأنه يصدر عن صوت واحد غير منقطع، والباء يتوقف منقطعاً لأنه محكوم بتطابق الشفتين مما نراه تشكيلاً في نقطة الباء الضابطة لهذا التوقف، بل القائمة في معادلة الصمت ، مما سنأتي عليه لاحقاً . الطاقة الصوتية للحرف امتداد وانقطاع يتناوبان ولا يكلان أو يملان تناوباً وتقاطعاً وتوالياً، والطاقة الصوتية ليست معطىً واحداً بل مُتعدد، فلكل صوت أبعاد ومقامات ودرجات، ولكل تناوب في الأصوات أبعاد ومقامات ودرجات مما يمكن ملاحظته في السلالم الموسيقية المعروفة، فالسلم الموسيقي ما تسمّى بهذا الاسم إلا لأنه يعكس تدرجات في سُباعية الأصوات المكتوبة أوروبياً على هذا النحو : «دو / ري / مي / فا / صو / لا / سي » ، لكن هذه المتوالية لا متناهية لأن كل مفردة صوتية لها تدرجاتها اللامتناهية رفعاُ أو خفضاً .. مداً أو انحساراً ، مما يغنينا عن الشرح . معادلتا البناء الهندسي والصوتي المتعاضدان المتآلفان المتواشجان المُحايثان لبعضهما بعضاً هما بمثابتي خوارزميات رياضية، وتلك طاقة أخرى للحرف. والأصل في مفهوم الخوارزميات الرياضية أنها تبادلات وتوافقات رياضية محكومة بأصل الحروف التي يمكن التعبير عنها بالأرقام ، فالألف واحد، والباء اثنان، والجيم ثلاثة, وهكذا . هذه الأرقام تتناوب تبادلاً وتوافقاً .. تكاملاً وتعارضاً ، ولكن دون أن تخبو أو تتلاشى. آية ذلك أنه يمكن التعبير عن الثلاثة عبر بدائل رياضية منطقية، كالقول إن الثلاثة تساوي «واحد وواحد وواحد»، أو تساوي «اثنين وواحد»، أو تساوي «واحد واثنين»، فنحن هنا أمام معادلات تبدو مُتفارقة شكلاً، لكنها متحدة جوهراً، ومن هنا يبدأ الاحتساب اللوغاريتمي «الخوارزمي» للحروف بوصفها أرقاماً . من لطائف ما يروى عن أبي يزيد البسطامي أنه إذا سئل عن عدد ماقال: واحد وواحد وواحد .. الخ.. حتى يكمل العدد، وتلك إشارة بسطامية خوارزمية لا تعني المنطق الرياضي الموسيقي فقط، بل أيضاً واحدية الجوهر وتعددية الصور .