لقد كتبت في الاسبوع الماضي عن اختيار مدينة تريم عاصمة للثقافة الإسلامية من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة لعام 2010م.. هناك أسئلة عديدة تفرض نفسها على القائمين على هذه الفعالية وعلامات استفهام كثيرة، حول أسباب هذا الاختيار، لماذا تريم مثلاً وليست زبيد أو جبلة أو تعز عاصمة الدول الرسولية؟!. لا شك أن للمنظمة أسبابها التي جعلتها تنظر إلى تريم على أنها أجدر هذه المدن لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية. ومع اقتراب موعد انطلاق الفعالية والتي لم يتبق عليها سوى أقل من اسبوعين إلا أن الغموض مازال يكتنف الوضع، فلا أحد يشعر باقتراب هذه الاحتفالية على أرض الواقع، وبالتالي يصبح التساؤل عن جدواها أمراً عبثياً. العديد من المهتمين بالشأن الثقافي يؤكدون أنه لا يوجد تخطيط سليم لهذه الاحتفالية، ويبدو أن الجهات المختصة ارتمت في أحضان العنوان فقط، ولا يوجد حتى الآن مشروع ثقافي يبلور الاحتفالية حتى يشعر بها رجل الشارع العادي. وإذا كانت تريم عاصمة للثقافة الإسلامية؛ فالأولى بها أن تكون عاصمة لليمن كلها، وأن تكون حاضرة فيها زبيد وصنعاء وجبلة وتعز وذمار، خاصة في ظل الدعوات المناطقية التي بدأت تبرز في هذه الأيام من قبل أولئك الذين يريدون العودة بالوطن من الوحدة الاندماجية إلى ما يسمى بالفيدرالية. إنني على يقين أن اختيار المنظمة الإسلامية لمدينة تريم لم يكن عبثياً، وإنما كان بعد دراسة وتمحيص وتدقيق، من ذلك دور هذه المدينة في نشر الثقافة الإسلامية القائمة على المحبة، وموقعها الجغرافي المفتوح على المحيط الهندي. وهي أيضاً تحوي العديد من المراكز والآثار التي جعلت منها عاصمة العالم الإسلامي الثقافية والحضارية، عراقة تراث تريم الثقافي الذي رسخت جذوره منذ عاد وثمود وحضارة الأحقاف، فضلاً عن دورها منذ أن أشرق نور الإسلام في ربوعها، وأصبحت مساجدها ومعاهدها الإسلامية مراكز ثقافية عامرة بعلماء الدين واللغة والفقه والتصوف. حقاً إن مدينة تريم هي مدينة التعايش والتسامح بين المذاهب، وقد تجلى ذلك في مخرجاتها العلمية، كما أنها أصبحت مدينة عالمية، حيث تعايشت فيها مختلف الثقافات تحت مظلة الثقافة الإسلامية السامية المعتدلة. وكم كنت أتمنى من محافظة حضرموت أن تصدر كتاباً وتنشئ موقعاً الكترونياً تحت عنوان (تريم عبر العصور) توضح فيه ما شهدته هذه المدينة في العصر الإسلامي من إنشاء مساجد. وتوضح فيه الأضرحة المشهورة والحصون الشاهقة، وكيف أصبحت بوتقة انصهرت فيها الثقافات والمذاهب، وكيف أنها كانت نموذجاً فريداً في التعايش بين هذه المذاهب حتى أصبحت الحياة الروحية سمة مميزة للمدينة في ظل الحضارة الإسلامية السمحة. فمن منا لا يعرف دور هذه المدينة الثقافي غير المحدود التي كان لأبنائها فضل نشر الإسلام في كثير من بقاع العالم دون حروب ودون إكراه، ومن منا لا يقدّر دورها في الحفاظ على الموروث الفكري والأدبي القديم؟!. وكان لها دور في تقديم خدمة إنسانية عميقة التأثير متنوعة الأبعاد تمثلت بتلك الهجرات من أبناء حضرموت الذين يتوزعون في نصف الكرة الأرضية تقريباً، وأصبحت حلقة الوصل بين جنوب الجزيرة وشمالها، وشرق آسيا وجنوبها؟!. وأحب أن أنبّه أيضاً في هذا السياق إلى أن للمدينة وضعها الخاص؛ إذ تصنف على أنها المدينة التي جمعت بين الفكر السنّي والفكر الشيعي من خلال الحركة الصوفية. لقد شُكلت لجنة برئاسة معاذ الشهابي - مدير مكتب وزير الثقافة؛ مهمتها تنفيذ ومتابعة الاحتفالات الخاصة بتريم عاصمة للثقافة الإسلامية. ومن المنتظر أن تنطلق الاحتفالية بشكل رسمي يوم 7 مارس، ولا ندري حتى الآن من هم الضيوف الذين سيحضرون، ولماذا لم نر شعار المدينة يعلق في الشوارع والميادين الرئيسية في مختلف المدينة اليمنية؟. وكم أتمنى أن يصدر كتاب عن المستشرقين الذين كتبوا عن حضرموت وأهم ما كتب عنها. وأتمنى من القائمين على هذه الاحتفالية ألا يغفلوا التصوير الفوتوغرافي والزيتي المتعلق بحضرموت في مراحلها المختلفة، وكذلك إقامة معرض للخط العربي، وحفلات من الموسيقى الصوفية، وندوات عن خصوصية تريم ودورها التاريخي والثقافي. تأتي هذه الاحتفالية في وقت يتزايد فيه التدافع الطائفي والتنازع المذهبي؛ تغذيه في الأساس قوى التعصب والسياسات الخاطئة لإدارة التنوع المناطقي، فهل تنتصر تريم على كل ذلك؟!.