في فترة قصيرة متلاحقة فقدت ثلاثة أعزاء أحتسبهم عند الله تعالى؛ أما الأول فالأستاذ الفنان فيصل علوي، وأما الثاني فالأستاذ هاشم علي، والثالث هو العالم الجليل يحيى الدرة. عرفت اثنين عن قرب يحيى الدرة العالم المتواضع الزاهد؛ كان يحافظ على صلاة الجماعة وإقامة الصلاة الوسطى صلاة العصر في الجامع الملاصق للجامعة القديمة، شخص هادىء، متسامح، لا أعلم إن كان يغضب أو يتعصب لأمور الدنيا. بل أحسبه في بيته هكذا، مرجع لكثير من الناس يحل مشكلاتهم، ويسارع في الخير، ولما مات على هذه الصفات، زكّاه من عرفه أنه من أهل الجنة، فحمدت الله لأنه مات بسيطاً. لأن هذا الطراز من البشر يستحقون الجوار إلى ربهم ليبتعدوا عن هذه الدار الفانية، ولينعموا بما أعدّه الله لعباده الصالحين، على أن يجمعنا الله بالرسل في جنة الفردوس، إنه سميع مجيب.. آمين. أما هاشم علي فقد عرفته من أربعين سنة مبدعاً، وكتبت عنه أكثر من مرة حتى إذا ما كان الزمن قبل عامين انصرما، عرفته شخصياً بشكل مباشر في منزل السيد أبوبكر المحضار؛ نقيّل معه يومين في الاسبوع الخميس والجمعة. قليل الكلام، يجيد عادة الاستماع؛ حتى إذا خضنا في حديث ثقافي أضاء الحديث بمعرفة خبيرة ومنهجية مطلعة، فهو يرتب الأفكار ويسندها تاريخياً وفق منطق «مرجعي» سليم. عاش الرجل زاهداً في الحياة؛ يعاني عديد الأمراض دون شكوى، اعترف له وزراء ثقافة من أول النظام الجمهوري حتى مماته بالريادة والفضل, مكتفين بعبارات كلام كلام وحسب لا تنجو من أغلاط نحوية وصرفية!!. وذهبت لأتعرف على الرجل الفنان الكبير فيصل علوي إلى منزله في «حوطة لحج» مرتين كان حينها في الخارج، رجل جدّد في الفن الغنائي اللحجي مما يرشحه لأن يكون صاحب «مقام غنائي» هو «مقام لحج» على غرار «مقام الصبا». ولست أعلم متى يأتي زمن نُشعر الكبار من زعمائنا «المبدعين» بالفضل والتكريم الحقيقي, ولكن فيما يبدو لي أن الله يحجب عباده الكبار عن تكريم المخلوقين لهم؛ ليتولى هو الجود عليهم من فضله الغزير، وفي هذه خير عزاء. وأمنياتنا للأستاذ أيوب طارش بالشفاء.