وهكذا يؤكد الوقت أنه السيد الذي يفرض إرادته وضرورته على كافة الأحزاب والتنظيمات السياسية والمؤسسات والسلطات الدستورية في البلاد.. بصورة تتقاطع وتتصادم مع كل الحسابات المتموضعة خلف الحوارات العديمة البداية الجادة والعديمة النهاية المثمرة, الهادفة إلى زج البلاد في أتون المعتركات الفوضوية للفراغ وما يستوجبه من الصراعات والحروب الدامية والمدمرة لما بقي لدينا من الثوابت والمقدسات الوطنية في شتى مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية الذي تنتهي فيه الشرعية الدستورية في بحر من الطوفان الحامل لما يدعيه البعض من الغرق الذي تستبدل فيه الشرعية الانتخابية المعبرة عن إرادة الهيئة الشعبية الناخبة بشرعية الإنقاذ المعبرة عن إرادة صاحب الأقلية الحزبية المعارضة باعتبارها الوريث الشرعي لإرادة وسلطة صاحب الأغلبية البرلمانية الساحقة والحاكمة المتربصة للتداول اللا ديمقراطي للسلطة بشرعية حوارية شمولية ما أنزل الله بها من سلطان في تاريخ التجارب الديمقراطية الناشئة والناضجة. أقول ذلك وأنا على يقين بأن ما تسمى بلجنة الحوار الوطني للإنقاذ هي لعبة سياسية من لعب المناورة التكتيكية المكشوفة لأحزاب الأقلية الهاربة من الديمقراطية إلى سلسلة من اللعب العديمة البداية الجادة والعديمة النهاية المثمرة؛ التي يعتقد لاعبوها أنهم أساتذة في الخداع وفنون التكتيك والمناورة التي نستدل عليها من طبيعة التسمية التحالفية للمشترك الجامع في مكوناته كل الاتجاهات من اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار؛ لا تجمعهم سوى الرغبة في الانتقام وتصفية الثأرات من الحزب الحاكم ورئيسه. معتقدين أنهم أساتذة، ومتناسين أن الممارسة تؤكد أنهم عبارة عن تلاميذ، متناسين أنهم من يلعبون عليه أستاذ في السياسة يدرك سلفاً أن تحالفهم الهش الذي تلاشت في تجاوزه كل الحسابات والمسافات والمساحات الإيديولوجية والسياسية من كل الاتجاهات من اليسار إلى اليمين ومن اليمين إلى اليسار ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ومن يمين الوسط إلى يسار الوسط، ومن يمين ويسار الوسط إلى وسط الوسط، وهكذا إلى مالا نهاية من المسافات والمساحات الإيديولوجية التي توجب قدراً من المصداقية والموضوعية السياسية الموجبة للثقة والتقارب وإقامة التحالفات القابلة للتطور والديمومة له المعقولة والمقبولة ولو إلى حين من الوقت. ومعنى ذلك أنهم يجهلون أو لعلهم يتجاهلون بأن من يلعبون عليه أو معه بلا طائل هو الذي يلعب عليهم رغم تظاهره بمجاراتهم والتعاطي معهم في تقديم التنازلات النابعة من الحرص على الوحدة الوطنية، تاركاً لهم ساحة كبيرة للمناورة والتكتيك التي يعتقدون فيها أنهم الأذكى والأشطر دون افتراض أن من يلعبون عليه أو معه لا يقل عنهم ذكاءً أو شطارة إذا لم يكن أكثر منهم قدرة على الذكاء والشطارة السياسية. كان يدرك بأنهم يراهنون على لعبة حركة التمرد الحوثية التي تقاتل من أجل العودة إلى ما قبل الثورة والجمهورية بصورة تظهرهم أمام الشعب بأنهم في موقف المؤيد لأعداء الثورة والجمهورية، وكانوا يدينون الحرب لا رغبة في السلام وإنما رغبة في إظهار الدولة أنها دولة فاشلة، وأكد للعالم أنه صاحب القرار الوحيد في قضايا الحرب وقضايا السلام.. وأن من اعتقدوا بأنهم قوة لا تُهزم ما لبثوا أن شعروا بالضعف الذي أرغمهم على القبول بالنقاط الست الصادرة عن اللجنة الأمنية, وكما هو معلوم أن المنتصر هو الذي يملي شروطه على المهزوم؛ وليس العكس صحيحاً. وكان يدرك بأن الدعوة إلى الانفصال هي اللعبة الثانية التي لعبتها معه أحزاب اللقاء المشترك التي استغلت حربه مع الحوثيين لتشجيع الانفصاليين في العودة إلى ما قبل الوحدة والديمقراطية من خلال التأييد الصريح لما يطلقون عليه القضية الجنوبية أو لما يطالبون به من التسوية التاريخية. ولما اعتقدوا أن ساعة الانتصار لظهور الدعوة إلى الإنقاذ فاجأهم بأن الانفصاليين ظاهرة صوتية وجدت فجأة وستنتهي فجأة، وأنه سوف يخرج منتصراً في جنوب الوطن كما ظهر منتصراً في شماله على نحو دفعهم إلى التضامن صراحة وعلناً مع الانفصاليين فيما دعوا إليه من اعتصامات في جميع المحافظات لم تقابل بتلك الاستجابة الجماهيرية المخيفة. حيث كان الحضور باهتاً يدل على ما هو عليه الضعف الشعبي؛ لأن تأييد الشماليين لما يطالب به بعض الجنوبيين من انفصال ولما يحرضون عليه من ثقافة الكراهية هو الجنون الذي لا يقبله العقلاء بأي حال من الأحوال. وكان يعرف أن سكوتهم على عدم إدانة الإرهاب الذي تقوم به عناصر منتمية لتنظيم القاعدة يهدف إلى إثارة المجتمع الدولي على الدولة اليمنية ويدفعهم إلى التدخل والمساس بالاستقلال والسيادة الوطنية إلى درجة اعتقدوا فيها أن مؤتمر لندن سوف يشهد إعلان اليمن دولة فاشلة والاعتراف بالمعارضة بديلاً يصل إلى الحكم بالطائرات والصواريخ والدبابات الأمريكية والأوروبية بذات الأسلوب الذي وصلت فيه المعارضة إلى الحكم بعد إسقاط النظام العراقي!!. وإذا بالمؤتمر ينتهي إلى تلك القرارات الدولية المؤيدة لوحدة اليمن وأمنه واستقراره ودعمه السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني بصورة كشفت عن هزيمة المعارضة وخروج الحكومة والقيادة منتصرة من هذه اللعبة التي طالما راهنت عليها المعارضة بما حققته من الضربات الناجحة على تنظيم القاعدة. المعارضة التي راهنت على اتفاق فبراير وما نصَّ عليه من الإصلاحات السياسية والانتخابية وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من خلال ما اتفق عليه من التمديد لمجلس النواب سنتين إلى الأمام ما لبثت أن ظهرت أحزابها بمظهر المتهرب من الحوار؛ حين ادعت صراحة أن شرعية النظام قد انتهت. وأن أحزابها أصبحت بديلاً لشرعية الهيئة الناخبة باعتبارها المصدر الوحيد للشرعية الدستورية وليس الشعب؛ لم تكن تعلم أنها سوف تخرج مهزومة فيما تسببت به من ضياع للوقت والجهد في المراهنة على استبدال الشرعية الانتخابية بالشرعية الحوارية الإنقاذية استناداً إلى لجنة الأحمر باسندوة وما خرجت به من وثيقة إنقاذية. ما لبث فخامة رئيس الجمهورية أن وضع النقاط على الحروف بإحالة التعديلات الدستورية إلى مجلس النواب ودعوة اللجنة العليا للانتخابات للقيام بمهامها القانونية في الإعداد للانتخابات البرلمانية القادمة في 27 ابريل 2011م. مؤكداً وبشفافية أن التوقيع على اتفاق فبراير وتأجيل الانتخابات البرلمانية من الأخطاء التي فرضتها أحزاب الأقلية المعارضة على حزب الأغلبية الحاكم، وأن إجراء الانتخابات من قبل الأحزاب المستعدة للمشاركة أفضل من التأجيل نزولاً عند رغبة الأحزاب التي تهدد بالمقاطعة. لأن التمديد للمرة الثانية عمل يتنافى مع ما نصّت عليه المادة الدستورية الانتقالية التي قطعت الشك باليقين بما نصّت عليه صراحة أن التمديد لمرة واحدة فقط، مخبراً الأحزاب أنها في مفترق طرق بين الدخول في حوارات الممكن أو مقاطعة الانتخابات البرلمانية القادمة. أخلص من ذلك إلى القول إنه قد آن الأوان لجميع الأحزاب والتنظيمات أن تعود إلى رشدها وتراجع كل ما لديها من الحسابات، وتستفيد من كل ما صدر عنها من الأخطاء والمناورات السرابية، وأن تبتعد عن الدخول في هذا النوع من المكايدات والمزايدات السياسية المكشوفة. لأن الوقت كالسيف إذا لم تقطعه بالاستفادة منه في إدخال ما لديها وما تطالب به من الإصلاحات السياسية والانتخابية فلا بديل لها سوى القبول بما سوف يصدر عن المؤسسات الدستورية من التعديلات الدستورية والقانونية التي نصّ عليها البرنامج الانتخابي لفخامة الأخ رئيس الجمهورية وحزبه الذي وصل إلى الحكم عبر انتخابات حرة ونزيهة، ولا يمكنه مغادرة الحكم إلا بذات الشرعية الانتخابية التي حصل عليها. وبدون ذلك فلن تجد المعارضة من تنقذه سوى البحث عمن يتدخل لإنقاذها؛ ولكن بعد أن تخرج وتسقط من كل الحسابات، قد تشعر بالندم ولكن بعد فوات الأوان. وحتى لا يحدث ذلك لابد من الاستفادة مما تبقى من الوقت للاتفاق على الممكن من التعديلات الدستورية والقانونية بدافع الرغبة الصادقة في الإصلاحات بدلاً من المراهنة على الاستفادة من المعاناة والمتاجرة بالأزمات المفتعلة.