أحياناً ,ولعوامل لا يد له فيها يجد المرء منا نفسه في مأزق حقيقي لأنه يكون واقعاً بين فريقين مختلفين ومتناقضين من جهة محبي ومؤيدي التهويل والتضخيم لمشاكلنا الوطنية وأزماتنا السياسية ,والاجتماعية ,والأمنية ,والتموينية مع انها ليست كذلك دائماً ومن جهة ثانية انصار التهوين أو التبسيط المبالغ فيه لتلك المشاكل والأزمات والإفراط في التفاؤل بتجاهلها والقفز عليها . كما يستحيل أن نقنع الناس بعدم وجودها لاسيما أننا نتعايش مع بعض صورها ومظاهرها يوماً بيوم ,وساعة بساعة, وربما لحظة بلحظة بتفاوت قد يرتبط بنطاق الأزمة ومداها, وبتعدد الاهتمامات الشخصية ,واختلاف الظروف الخاصة المحيطة بكل واحد منا ,ومنطقة اقامته ومستواه الثقافي أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو انتمائه الحزبي والسياسي أو موقعه من هذا الحدث أو ذاك أو ارتباطه بهذا الطرف أو ذاك ,وليت الأمر اقتصر عندنا على محاولة جادة وأمينة لتحليل الواقع بما فيه من سلبيات وايجابيات بمهنية وحرفية عالية ,وبحيادية وواقعية وعقلانية مهما اعتراه النقص أو المحدودية ومهما بدا أن التحليل مؤلم أو مزعج. لكن يبدو أن بعض جوانب البحث أو السؤال وحتى التحليل لأسباب ما يحدث في مجتمعنا من أزمات بنيوية أو دورية يبقى انتهازياً وقاصراً واعتباطياً وانتقائياً ومزاجياً وربما حاقداً وهو يثوي غالباً خلف مناطق قصية ونائية تتوارى عن الأعين المجردة وقد يقع وراء أكمة التشاؤم المحبط لبعضنا ,أو خلف أفق التفاؤل أو الأمل المفرط لبعضنا الآخر وهي العوامل التي تضع كل فرد منا أمام اجزاء صغيرة من المشهد العام لايراها سواه وقد لايرغب بسواها ليفوّت علينا وعلى نفسه رؤية جانب كبير من بقية المشهد لعنت أو كبر أو صلف أو غرور أو خصومة سياسية , هذه الآفات التي تعمي صاحبها عن رؤية باقي جوانب المشهد الحقيقية فيتوهم الأمور على غير حقيقتها أو يدعي عكس مايؤمن به ,وربما عمد في بعض الأحيان ولأسباب متعددة شخصية أو سياسية أو مذهبية لامجال لتفصيلها في هذه التناولة إلى نقل الأمر على غير صورته وهذا أخطر وأسوأ مايمكن أن يحدث خاصة عندما يتعلق الأمر بمبدأ أو سلوك يتكرر كثيراً. أيها السادة لسنا في حاجة اليوم إلى من يكرر علينا بشكل دائم ويومي نفس الاسطوانة المشروخة عن أزماتنا ومشاكلنا ومشاكل مجتمعنا لأننا نعيشها حقاً ولسنا في حاجة إلى من يسد علينا كل أفق لحلها , أو يضع أمامنا العقبات ليفقدنا كل قدرة على معالجتها ويسلبنا كل ارادة ورغبة في الحياة ويقتل فينا كل أمل في الغد القريب أو البعيد ,أو يفتّ في عضدنا ويوهن عزائمنا عن مكافحة كل المظاهر السلبية في مجتمعنا أو يجعلنا نستسلم لواقع مريض وقدر مؤلم كأنه قضاء محتوم بات لصيقاً بنا لا فكاك لنا منه. نحن في حاجة إلى من يضع يده على مكمن الخلل دون شطط أو تعسف أو تهويل ,ويرشدنا السبيل للتغلب على تلك المشاكل والأزمات دون افراط في التفاؤل ,أو مبالغة في تقدير الذات أو القدرات الوطنية ,وفي حاجة إلى من يحيي فينا كل أمل في غد واعد بكل الخير لاننا شعب يؤمن بالله، وبقدرتنا على تجاوز المحن والأزمات وتاريخنا الحديث المعاصر مليء بصور ناصعة من تجاوز الأزمات والمحن والتغلب على كل الصعاب واعلموا أن واحداً من أعظم دروس التاريخ يتلخص في حقيقة واحدة (إن الشعوب تولد وتقوى في رحم الأزمات). * عميد كلية التجارية والعلوم الإدارية بجامعة إب