كان يغط في نومٍ عميق.. كل شيء فيه ضخم لدرجة الانفجار.. حتى قلبه الذي بدى كمغارة محطمه بأطنان من ديناميت الحياة الذي نتناوله رغماً عنا ونحن نحاول البحث عن كل شيء جميل يشعرنا بالسعادة ألطاف الأهدل لكن السعادة لاتباع ولاتشترى ولاتحمل على ظهرها ماركة عالمية ولايستطيع أن يقتنيها أغنى أغنياء العالم إذا لم يشعر بقيمة ولايصعد ويهبط في سوق الأسهم.. كانت سترته الرمادية ملطخة بالدم وقفصه الصدري يعلو ويستفل بسرعةٍ مخيفة.. وكانت حوله.. امرأة ركضت متاعب الحياة خلفها حتى كأنها في مضمار سباق مع الهم والحزن والنكد.. كانت ترمقه بعين الذهول والصبر وقد تلطخت عباءتها ويداها الناعمتان وحتى وجنتاها الهاربتين بنعومة إلى أقصى خديها بجمالٍ خلاب. تساءلت أمام الطبيب عن حالته وهي ترتعدُ ألماً وحزناً وذهولاً لهول ذلك الحادث الذي تعرضت له عائلتها الصغيرة على طريق الضاحية السريع.. الأطباء يكتفون دائماً بالصمت حين يكون يكون الموت هو المتحدث الوحيد على قناة الحياة.. بسرعة الدموع في عيون الضعفاء تم إدخاله حجرة العناية المركزه وأسدل الستار فلم تعد ترى شيئاً غير قميصه الذي تبدل من الأبيض إلى الأحمر حين ارتطم جسده بزجاج السيارة الفارهة وهو يقود سيارته بسرعةٍ متزنة ليصل بها إلى مدينته العامرة بالضجيج التكنولوجي هناك حيث سيكون لها منزل جميل.. وعائلة أجمل. لم تفارق عيناها صورة قلبه الكبير.. وكأنه حجرة مؤثثه بأرقى ماركات الأثاث العالمي.. قلبٌ ينبضُ بالحياة وقلما يملك الناس قلوباً كتلك التي يمتلكها هؤلاء وتذكرت كيف أن لكل شخص يراه مكانٌ في قلبه.. وكأنهُ أحب البشر جميعاً.. وأحب الحياة بكل مافيها من جبال ونجوم وأنهارٍ وغيوم.. كأن ذلك القلب عالمٌ من التجارب والأحداث.. القصص والأساطير.. الأفراح والأحزان.. بساتين من كل شيء خلاب.. لكن لاتعطينا الحياة كل ما نريد متى أردنا.. بل هي تسلبنا الكثير حين نرجوها أن تبقينا بسلام.. كأفلام السينما مرّت أمام ناظريها صورٌ من أعوامٍ مضت وصورة من ذاكرة الخوف لم تأت أيامها بعد.. لكنها رأتها والطبيبُ يشدُ على وريدها ويمسحُ بقطعة القطن ليغذيها بماء الحياة.. بينما كانت هي في عالمٍ آخر.. وتنام.. تنام بعد صدمه نفسية شديدة عاشتها وهي تحاول الولوج إلى بيت السعادة المنشودة.. خلف أسوار وطنها.. في مكانٍ بعيد .. حيث لابشر تعرفهم إلاّ ذلك الرجل الذي أسكنها فؤاده.. وبدأت تطرق أبواب المنايا وهي تسير حافية حتى رأته.. أخذ بيديها إليه وعاشت إلى جواره كطفلة تسعدُ بذلك الكم من الحنان تعيشه.. تتطبع بأفعاله كقدوة.. تبتسم وهي تراه بعينيها يرسم أحلامها على أرض الواقع حلماً بعد الآخر.. يقاسمها جموحها كفرسٍ أصيل وتشاطرهُ سموهُ كجبلٍ شامخ تحبه كما هو بكل حواسها.. تخاطبهُ بانسانيتها.. تتسللُ عبر قلبه الكبير إلى روحه الخلابه. تلك الروح التي مدّتهُ بالأمل بل أعواماً وهو يعيش بقلب من حديد!! قلبٌ ليس كقلوب البشر يسكنُ صدروهم بل قلبٌ كبير يسكنهُ ويسكنها وهو بالكاد ينبض عبر أوردة من البلاستيك وأُذين وبُطين من الحديد.. قلبٌ خالٍ من مضغة اللحم التي نعرفها نفسدها بأيدينا ونحن نبصق معاصينا بداخلها كأوعية للفضلات.. لكنه لم يكن كذلك.. كان كبعض الأشياء في حياتنا تلمع بشدة قبل أن تأفل.. تبرق بقوة قبل أن يتراكم عليها ران الأيام فيمحو ألقها وجمالها.. كان كجذوة من النار تنير دون أن تحرق.. كأشياء كثيرة في حياتنا لانعلم لها قيمة إلا أن نفقدها أو نراها بين يدي الآخرين.. نامت وهي تمسك بحبال التفاؤل أن يعود.. هكذا حدثت نفسها بينما كان الأطباء حولها يتبادلون النظرات الحائرة ويخافون أن يغلقوا ملف الرجل الثري الذي سقطت جدران قلبه وهو يطير فرحاً بحلمٍ أثير يفرح به قلب زوجته الشابة التي لم تشعر أنها كانت تجهض وهي تطوف أرجاء المكان كطير حبيس لم تشعر بالرضوض تملأ جسدها. ولم تسمح للألم أن ينسيها الرجل الكبير الذي علمها معنى الارادة.. وهيأها لدخول عالم العطاء الذي لاينتظر المقابل.. لم تشعر حتى بسقوطها على الأرض وهي تحارب طيف المفاجأة.. يالهذه الحياة كم تشقينا بنفس أسباب السعادة.. وتسعدنا بنفس أسباب الشقاء لاتصدقوا أنكم سعداء إذا ابتسمت لكم الحياة يوماً... وحين تذوبون ألماً لاتتيقنوا أن هذا هو كل الحزن الذي رأينا وسنرى.. ليست طويلة بما يكفي لننتظر الوصول إليها.. ربما هي صفحة واحدة في كتاب الكون لكنها الحياة.. قبيحه مهما تجملت... خبثية مهما تظاهرت بالخير.. بعيدة حتى وهي تقودنا بيديها إلى قبورنا.. وكمرأة بين يدي رجل حكيم عاشت فقيهة في أمور حياتها وتحلت بالوقار وهي تعطي زوجها ونفسها عبث الحب تحت جلباب الأنوثة والنضج.. كم تعالت حولها الأصوات محذرة.. وغمرتها النظرات شامته وهي تسير بمعية الرجل الكبير الذي أشفق حتى أن أسميه عجوزاً لأنه أعطى مالم يعطه الشباب وهم يرفلون بثياب الصحة والجمال.. لعله في نظرها هي كان ملاكاً بلا جناحين.. لكن الملائكة لاتموت بينما يحتضر هو الآن وهي لازالت نائمة تحت تأثير الخوف والهلع وحالة الإجهاض المفاجئة.. لكن رغم هذا فهي تراه.. تسير معه.. تحس به وهو يغادر هذا العالم خطوة خطوة.. نفساً بنفس.. كانت تحتضر معه حسياً كما يقال.. قلبها كاد يقفز من خلف الضلوع وهي تخاف الساعة التي تعيش فيها بلا أسطورة متحركة اسمها رجل.. لكنه ليس كالرجال الذين نعرف!.. انخلع قلبها وهي تراود الموت في حادثة المساء الرهيب فلم تحاول حتى أن تدنو من خافقها فكل الذي فعلته أنها أغمضت عينيها وإحساسها بكل ماحولها واستسلمت للهروب إلى الموت معه.. لكن الموت لايأتينا متى نريد.. علينا أن نذهب إليه مكرهين متى ماشاء لنا القدر.. وبعد أن أسرف الأطباء في استعادة الحياة إلى قلبٍ من البلاستيك والحديد انفجر القلب بكل مافيه من قوة.. لم يستطع أن يحتمل الآلام كما كان مضغةً من اللحم.. فتسربت براكين الحنان لتذيب صفائح الحديد الرقيقة.. ولحرارة مشاعره تجاه الآخرين انفجرت أوردته الشفافة وأغرقت مساحة الحنين الدافئة فعم الطوفان جسده وغرق.. غرق في بحر الموت قبل أن يكشف لها الستار عن بيت الأحلام الذي اهتم برسم زواياه في فوضى من الجمال الموشى بالحزن سترفل بداخله كجنيات البساط السحري لكن بلا سندباد! وهاقد فتحت عينيها على عالمٍ خالٍ من رجل الأحلام الذي علمها أن يكون صدرها مائدةً عامرة.. فهل من الأثرياء من يتزوج بيتيمة لم تعرف طعم الأبوة ولم تدللها يد الأم؟! ولم تذق طعم الحياة في أكناف بيت يضم عائلة.. ماأصعب أن تهبك الحياة ماكنت تصرف عمراً وأنت تبحث عنه ثم تعود لتأخذه منك وتهبك عمرك المهدور على طبقٍ من الوحدة والغربة.. لم تنس أولى لياليها في بيت ذلك الرجل وهي تنظر إليه بعين الخوف فيدفئها بالأمان.. تشعر منه بالنفور فيتقرب إليها وكأنها صاحبة الفضل عليه.. تهابه فيكسر جدار الانطواء الذي عاشت خلفه ويدرسها أبجدية الوصول إلى الآخرين حرفاً حرفاً- رجل كان قلبه بيتها الآمن وركنها الحصين.. سيفها الذي توشحته سنواتٍ طوال.. المحمية البشرية التي أوت وأعطت وقدمت الكثير.. لكنه اليوم يرحل عن دنيتها الجميلة ليتركها خلفه هنا.. في هذه الدنيا التي تعلوها منها الأحزان وتحف أركانها الآلام.. وقلوب الرجال فيها مقابر كبرياءٍ وجحود.. ليس مثل ذلك القلب الذي استقر في صومعة صدره كقبةٍ مقدسة لم تدنس طهرها الآثام.