الجغرافيا العربية غارقة بالمشكلات من كل لون، ومحاطة بالتحديات التي لاتخفى على أحد وقد بلغت حداً يهدد مفاصل تلك الجغرافيا بماهو أسوأ مما هو قائم، وينذر بالكثير من الشروخ والفواصل، وهو بذلك يهدد سكانها في تاريخهم وثقافتهم وثرواتهم ووجودهم سواء على نطاق الجغرافيا العربية الكاملة أو جغرافيا الأقطار التي لاتخلو الواحدة منها من جملة تحديات وصعوبات تهدد القطر الواحد إلى أن تكتمل المهمة الكبرى بكل الأقطار. هذا الأمر لم يأت من باب الوهم كما يريد البعض أن يصور هذه القضية في مواجهة الدعوات والأصوات المطالبة بصحوة عربية لتفادي المصير المجهول الذي يتربص بالعرب أرضاً وانساناً وفكراً وثقافة وثروة، ولذلك فإن وصف المخاطر الحقيقية بأنها وهم يُعد من التحديات التي تستهدف النظام العربي بكل مكوناته، وإن جاءت من أصوات عربية تخدم المشروع المعادي، وللأسف أن تلك الأصوات لم تعد قليلة، وهو اختراق نجحت فيه الثقافة الغربية والسياسة التي رسمت وترسم جغرافيا مغايرة للمنطقة العربية، حيث جرى توظيف الكثير من الامكانيات المادية والاعلامية، وبالتأكيد الكثير من تلك الأصوات لتضليل الوعي العربي العام عن حقيقة ما يُراد للمنطقة وتوجيهه نحو اهتمامات أخرى. مايجب إدراكه في الوقت الراهن وإن جاء متأخراً بعض الوقت هو أن الخطر لن يقف عند حدود دولة عربية دون أخرى، لن يقف مثلاً عند حدود الأرض الفلسطينية التي تمثل محور الخلاف أو الصراع العربي- الاسرائيلي ولاينبغي بأي حال من الأحوال القبول بذلك وهو شرط للمساومة سيجري طرحه في مرحلة ما بصريح العبارة على العرب لتفادي الحلول الأكثر سوءاً والمصير الأكثر سواداً، ولن يفي أصحاب الشرط بشرطهم ولا ينبغي للعرب التفاوض حوله من الأساس.. وفي هذا الجانب لن يوقف الخطر سوى التصدي له ولن يتم ذلك بأقطار ودويلات متنافرة مختلفة يحكم علاقتها الاختلاف والشقاق وإنما من خلال مشروع عربي واحد يحافظ على مفاصل الجغرافيا الكبرى ويحفظ الجغرافيا الداخلية لكل قطر من التمزق والتجزئة ومن الصراعات الداخلية التي تمهد لواقع يقبل بأسوأ الحلول ويرضخ للضغوط ويستسلم لما يُراد لهذه الأمة.. الخطر ليس له وجهة واحدة ولن يأتي من مصدر واحد، واسرائيل ليست الخطر الوحيد التي من أجلها يراد إعادة تشكيل الخارطة العربية الطبيعية والبشرية والجغرافيا الثقافية والاقتصادية، فثمة جهات أخرى تلوح منها الأخطار والمخاطر والتحديات وثمة أطماع لامبراطوريات تسعى لبناء مجدها على حساب العرب تحديداً ومايغريها هو ضعفهم أولاً ولثارات تاريخية ومن ثم لاعتبارات الثروة والموقع الجغرافي والتسابق بين أقطاب القوة ليس غائباً عن قائمة الأسباب والأخطار. ويبقى السبب الأقوى في كل ماحدث ومايحدث ومايمكن حدوثه هو الضعف العربي النابع من تفرقهم وسكوتهم على ماحدث لبعضهم هنا وهناك، فالثيران البيضاء اُكلت والبقية سوف تُؤكل إن عاجلاً أم آجلاً طالما ظلوا على ماهم عليه من التخاذل والخذلان، وأحسب أن الكثير منهم يستشعر مايحدث ويدرك كل هذا وأكثر، ولكل هذه الأسباب وغيرها لايجب أن يجري التعاطي مع الأوضاع السيئة والتحديات التي تواجه الأقطار العربية بوصفها تحديات خاصة أو أن البقية بمنأى عنها أو أن مايحدث في بعض الأقطار العربية هو صناعة محلية فقط دون إدراك لحقيقة أن الأقطار العربية التي تقع في دائرة الخطر المباشر الآن ومن قبل ماهي إلا بوابات فُتحت لإدخال المشاكل وتعميمها على سائر البلاد العربية ضمن حسابات وأهداف ستشمل الجميع . ومن هنا جاءت المبادرة اليمنية التي طُرحت على مؤتمر القمة في ليبيا من أجل اتحاد عربي سوف يدرك الجميع أهميته وحكمته ولو بعد حين ولاخيار للعرب وهم يدركون ذلك لمواجهة الأخطار القادمة من الغرب ومن الشرق ومن الداخل بوصفه أداة للخارج. لاخيار سوى الاقتناع بحجم الخطر والتحديات قبل فوات الأوان وقبل أن يؤكل الثور الأخير منهم حين يجد نفسه وحيداً.. مبادرة لايعيبها أنها جاءت من اليمن كما ينظر إليها البعض في الداخل من باب المعارضة لكل شيء وعدم الثقة بالنفس من ناحية أخرى ..سوف يعلم من لم يعلم بعد ومن لم يدرك بعد أن هذه المبادرة اليمنية وهي نصيحة للعرب في منعطف اللوى ونأمل بألاّ لايستبينوا الرشد في ضحى الغد البعيد ,وبعد فوات الأوان. اليمن واليمنيون لم يغب دورهم القومي في نصرة القضايا العربية والإسلامية والشواهد كثيرة والتجارب عديدة. حضروا يوم أن غاب غيرهم وأدركوا يوم أن تجاهل غيرهم وصرخوا ملء أفواههم محذرين من الأخطار ومن تبعات المواقف السلبية والقائمة على تصفية الحسابات الشخصية بين العرب ,ولم يزل في الوقت متسع إلى حد ما ليس بكثير للإدراك والفهم ولتفادي المزيد من النكسات والأخطار ومن أجل الوقوف ضد المشروع أو المشاريع التي تهدد وجودهم.