الحقيقة التاريخية التي يجدها الباحث أو القارئ لتاريخ اليمن أرضاً وإنساناً هي الوحدة، بمعنى أنه لم تكن هناك تجزئة ولاحدود سياسية، ويتضح أيضاً أن حكام اليمن الذين كانوا يحكمون الدول أو الدويلات التي كانت قائمة على الأرضي اليمنية كانوا يسعون بحكم هذه الحقيقة التاريخية وتأثيرها على مجريات الاحداث السياسية والعامة إلى مد نفوذهم وفرض سيطرتهم على كامل تراب اليمن، فنجح البعض منهم في ذلك بشكل كامل والبعض الاخر بشكل جزئي بينما أخفق البعض الاخير لعوامل متعلقة بالمرحلة.. إلا انه بالرغم من إخفاق بعض الحكام في السيطرة على كامل التراب اليمني في ذلك الوقت لم تحدث التجزئة ولم تظهر الحدود الفاصلة بين الاجزاء، واستمر الحال على تلك الحقيقة حتى احتل المستعمر البريطاني ميناء عدن 1838م فكان نواة التجزئة السياسية بين شطري اليمن لتتبلور هذه الحدود بالصورة التي كانت عليها قبل 22مايو 1990م بتوقيع تركيا وبريطانيا على ماكان يسمى بالاتفاقية الانجليزية التركية التي وضعت الحدود بين تركيا في شمال اليمن وبريطانيا في جنوبه وبذلك أقر التقسيم السياسي لليمن إلى شمال وجنوب وتحديداً في عهد الإمام يحيى حميد الدين وظهر مصطلح التشطير والشطرين بالحدود السياسية والسيادية التي الغيت بإعادة التاريخ إلى مساره الصحيح بتحقيق الوحدة الاندماجية بين الشطرين في ال«22» من مايو سنة 1990م. ومن المهم التنويه هنا بأنه خلال فترة التشطير التي جاء بها الاستعمار أولاً لم يتحقق التشطير الذي كان يسعى إليه الاستعمار بالصورة التي رسمها.. لذلك فقد بقي الإنسان اليمني رافضاً متمرداً على الحدود والحواجز وعلى ماكان يحول بين أبناء الوطن الواحد فبقى موحداً رغم كل الفواصل السياسية وتباين الانظمة القائمة ولعل أهم دليل على وحدة الشعب هو نضال اليمنيين ضد الامامة وضد الاستعمار..س فقد سارع الفدائيون القادمون من عدن إلى نجدة ثورة 1948م، كما شارك العديد من أبناء المناطق الخاضعة للاستعمار البريطاني في الدفاع عن ثورة سبتمبر وعندما اندلعت ثورة أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني ساندها ودعمها وشارك في النضال كل أبناء اليمن، شماله وجنوبه وبهذا اخفقت اهداف التشطير في عزل أبناء اليمن عن بعضهم بحيث ينشغل كل قطر بما لديه وبمشاكله بعيداً عن بقية أبناء الوطن الواحد واستمر الحال كذلك ومع مرور الايام كانت عرى التشطير والتقسيم تضعف حتى تهتكت وزالت وأطل فجر التوحد من جديد وعاد اليمن إلى حقيقته وسابق عهده الموحد أرضاً وإنساناً وهي الحقيقة التي لم تستطع كل المحاولات ان تطمسها أو تغيرها. هذا الحديث ليس بجديد إلا أن المناسبة أجازت وتجيز إعادته مرات ومرات حتى يعلم من لم يعلم بعد، كما أن من يدرك تاريخه على حقيقته تصعب مغالطته وخداعه وتزييف وعيه وبذلك تسهل عملية إدراك الكثير مما يحدث ومما يراد لنا جميعاً من حياة في العصر الراهن والتي تسعى فيه الدول الغربية والولاياتالمتحدة لإعادة تشكيل الوعي العربي الإسلامي على النحو الذي يخدم أهدافها ومصالحها، ومن المؤسف حقاً أن أبناء البلاد العربية والإسلامية سوف يدفعون الثمن أضعافاً مضاعفة حتى يصير الثمن كل مايملكون، بمعنى كل شيء لديهم الأرض والثروة والحرية والكرامة والمبادئ، فالحرب التي جرت وتجرى على تراب الخارطة العربية والإسلامية وبدماء عربية إسلامية هي، حرب بدايتها وأهم عواملها القوة، والمصالح، والخلاف الديني هو الذي يحدد مسارات هذه الحرب التي اتضح إنها من طرف واحد مسرحها الجغرافيا العربية والإسلامية وضحاياها سكان هذه الجغرافيا وأهلها أما لماذا هم ضحايا؟ فالتجزئة والحدود والفواصل والخلافات هي من أضعفهم وجعلهم الحلقة الأضعف والفريسة السهلة لكل عدوان وقد سعى الغرب ويسعى للابقاء على حالة الضعف هذه لدى العرب والمسلمين من خلال إبقائهم بحالة التجزئة التي يعيشونها ويفخرون باستقلالهم وبدويلاتهم ذات السيادة وهي في ذات الوقت ذات الضعف والهوان لاتستطيع أن ترد عن نفسها أدنى خطر.. وقد تابعنا خلال الأيام القليلة الماضية كيف سعت إسرائيل ومن أمامها ومن خلفها الولاياتالمتحدة وبريطانيا وغيرهما لاستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يطلب من سوريا إقامة علاقات دبلماسية مع جارها القطر اللبناني وإلى ترسيم الحدود بينهما تعزيزاً لأجواء وأوضاع الفرقة والتجزئة والتباعد وهي أهداف قديمة حديثة تصب في صالح العدو الصهيوني أولاً وأخيراً وتضر بالعرب والمسلمين في كل الأوقات والحالات. ربما يبدو هذا الحديث شروداً عن موضوع الوحدة اليمنية التي نعيش افراح الذكرى ال«16» لإعادة قيام الوحدة وقد بدأنا الحديث بها.. غير ان واقع الحال لاينبغي أن يدفعنا للجنوح نحو فرحة المناسبة ونسيان أو تجاهل مصير أمة تدور عليها الدوائر بسبب ضعفها وتمزقها وانقسامها إلى دول واقطار وإمارات وممالك ومملكات تؤكل اجزاء منها فيما الاجزاء الباقية تعين على ذلك وفي أحسن الاحوال تنظر وتنتظر. بالتأكيد إن مناسبة الوحدة اليمنية هي المناسبة الاكثر واقعية والاكثر مدعاة للابتهاج والاحتفاء بها ويجب أن تتكرر وحدات أخرى في نطاق الجغرافيا العربية الإسلامية حتى تكتمل وحدة الاقطار جميعاً ودون ذلك ليس هناك ماينتظر العرب والمسلمين سوى الفناء والدمار وكل عام يجب أن نتذكر هذه الحقيقة قبل فوات الأوان..!!