الحلقة الثانية أبعاد الحملة في الإعلام الأمريكي ضد الإسلام دراسة في الخطاب الصحفي بلورها وقدمها (آرثر لوري)أستاذ الدراسات الدولية بجامعة جنوب فلوريدا بالولايات المتحدةالأمريكية.في منتصف يونيو (2006) وفي إحدى حدائق نيويورك..تعرض طفل لهجوم احد الكلاب الضارية فبادر شخص مدافعاً على الطفل وانتهى الموقف بمقتل الكلب...وكان صحفي يرقب الموقف فالتقط الصورة ثم تقدم نحو الرجل قائلاً: سيكون عنوان الخبر( أحد الأبطال الأمريكيين دافع ببسالة لإنقاذ طفل من موت محقق)قال الرجل: لا لست أمريكياً؟ قال الصحفي : إذاً سيكون العنوان أحد أبطال واشنطن نجح في إنقاذ طفل..الخ قال الرجل: لا لا لست من واشنطن، أنا مسلم من باكستان...وفي اليوم الثاني نزل الخبر بالخط العريض (إرهابي من باكستان يشتبه أنه من القاعدة اعتدى على حياة كلب في حديقة كذا..(ال إف.بي.آي)تحقق مع المذكور لمعرفة مدى صلته بالإرهابي بن لادن؟ هذه الحادثة تمثل نموذجاً صارخاً لعشرات بل مئات الشواهد الدالة على الحقد الراسخ والعميق في الثقافة الأمريكية عموماً تجاه كل ما هو إسلامي...يواصل الأستاذ (آرثر) قائلاً: إن من أبرز النتائج والتحولات بعد انتهاء الحرب الباردة، هو تحول الموقف الأمريكي من الإسلام إلى النقيض ، ذلك أنه خلال تحرير الأفغان من الاحتلال الشيوعي كان النظر إلى الإسلام أنه حليف أمريكا وأن الدولة المسلمة ضد الشيوعية، غير أن حرب تحرير الأفغان جاءت تصب لصالح تنامي الدولة الإيرانية الجديدة على أنقاض حكم الشاه، واشتدت أزمة الرهائن الأمريكان في إيران...ويصل (آرثر) إلى طرح سؤال هو : كيف حدث هذا التحول الأمريكي في سائر الوسائل الإعلامية والثقافية والسياسية: إن الإسلام دين التعصب ومعاد للديمقراطية والغرب، وبتعميم غريب دون تفريق بين الحركات الإسلامية: إن الصراع بين الصحوة الإسلامية عموماً حتمي وبين الغرب ، ويستطرد (آرثر) في القول حول نظرية هانتيجتون بأنها تتناقض مع رؤية أحد أعلام الفكر الإسلامي ( حسن الترابي) والذي قال في محاضرة له في (فلوريدا) في التسعينيات إن الإسلام يدعو إلى العدل وأن نظام العولمة الاقتصادي سيجد نفسه في مواجهة مع أولئك الذين يريدون أن يلتهموا العالم أو يصهروه في بوتقة واحدة سياسياً واقتصادياً ، ويؤكد (آرثر) صوابية قول الترابي وأنه لابد من الحوار والتعاون في ظل التنوع والحرية والتعددية ولا يتردد ( آرثر) في عرض وجهة نظره تجاه الحركة الإسلامية في الجزائر وتحولها إلى العنف بسبب مصادرة الديمقراطية وصمت الغرب عموماً وتصريح فرنسا بالتدخل إذا ما حكمت جبهة الإنقاذ في الجزائر فحصلت أسوأ حرب أهلية في التاريخ العربي الحديث، ويستطرد في القول: إنه في عام 1995م اجتمع (18) وزير داخلية عرب واتفقوا على خطة (مكافحة الإرهاب) وتتفق هذه الخطة مع خطة إسرائيل في مواجهة (حزب الله وحماس ومنظمة الجهاد الفلسطيني ) ويصل (آرثر) إلى أن السبب وراء خطة وزراء الداخلية العرب هي التطبيق الأمني لمشروع الكاتب الصهيوني (حاييم بارام) والذي خلاصته أن الإسلام هو العدو الوحيد والمخيف لإسرائيل، وهاهو نتنياهو يطوف في كل أقاليم أوروبا بنفسه وعبر مبعوثيه ليقول: إن الإسلام ليس عدواً لإسرائيل فحسب وإنما هو خطر يهدد العالم الغربي كله وأن إيران هي الشيطان الأكبر، ويؤكد آرثر أن هذه المفاهيم تزداد يوماً بعد يوم، مستشهداً بأبرز من يتبنون هذه الأفكار المعادية للإسلام دون تفريق (مورتيمر زوكرمان) رئيس تحرير صحيفة (يو إس نيوز) والذي يصرح دائماً أن الإسلاميين المسلحين وغيرهم قد حلوا بالفعل محل الشيوعيين كعدو رئيسي للديمقراطية والغرب، وكذلك (فيرجس بورديش) الكاتب المشهور بمجلة (ريدرز دايجست) بعنوان (الحرب المقدسة تواجهنا) ويعتمد في تحليله هذا على أثنين من كبار مؤيدي إسرائيل وهما (روبرت ساتلوف) المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط والمعهد التابع للوبي الإسرائيلي في واشنطن، والثاني دانيال بايبس المدير السابق لمعهد بحوث السياسة الخارجية الأمريكية...والذي يقول إن المسلمين ليسوا أصوليين ولا مجرمين فحسب وإنما أكثر من مجرمين، ونجد الأستاذ (آ رثر) أنه لا يفتأ يورد الأقوال الداعمة للصهيونية حتى يكر عليها بالحجة قائلاً: إن هؤلاء يتعامون تماماً عما يدور من عنف في مناطق العالم مسلمين أو غيرهم أن أسبابه ديكتاتوريات مدعومة من الغرب بل في أمريكا اللاتينية فإن البيت الأبيض يدعم المنظمة العسكرية وهذا غير خاف على أحد، ويضيف (آرثر) شاهداً آخر وهو الصحفي ( ستيفن ايمرسون) المعروف بولائه الشديد للصهيونية، حيث أعد برنامجاً تلفزيونياً لمحطة (بي.بي.اس) بعنوان جهاد في أمريكا حيث جعل من مركز التجارة العالمي (أوكلاهوما) أنه من عمل المسلمين الذين يمثلون أقلية متطرفة مع أن الشواهد والأدلة ضد هذا الاتهام...لكن هذه هي صورة المسلمين عند صانعي الثقافة الغربية..مع أن ايمرسون فشل فشلاً ذريعاً في تقديم الأدلة الداعمة لاتهاماته، لكنه لجأ لتغطية فشله بإجراء مقابلة طويلة في صحيفة أمريكية مشهورة أتهم فيها الجماعات الإسلامية بإقامة مراكز سياسية وصناعية وتجارية في أمريكا وأنه قد جعل هذه القضية على رأس قائمة أولوياته داعياً مكتب التحقيقات الفيدرالية بجعلها على رأس قائمة الأولويات بل أنه قد جعلها.. لكن لم يستطع أن يقدم أي دليل من لدن الجهات الأمنية وتأتي مؤسسة هيرتيج المحافظة في واشنطن، وهي من أبرز المؤسسات الفكرية التي لها إسهامات بارزة في الجدل حول الأصولية وتعني هنا سائر المسلمين لتصل في مؤتمر عقدته وحضره كل المتعصبين الآنف ذكرهم وغيرهم إلى التوصيات التالية: 1 لا حوار مع الأصوليين ويجب إعلان الحرب على الأصولية، 2 الضغط على إيران والسودان حتى تتخلى عن سياستهما ..3 مساعدة ودعم كل المعارضين للأصولية الإسلامية 4 دعم كل الحكومات في الشرق الأوسط التي تقمع الأصولية، لأن الحرب القادمة كونياً ستكون بين الغرب والإسلام بصورة لا تقل ضراوة عن الحرب ضد الفاشية والنازية؟! ويستطرد (آرثر) إلى أن هذا الحقد هو قديم كرسته الكنيسة في عصر ما قبل النهضة، وأن رائد الحركة التنويرية (مارتن لوثر) لم يسلم من هذا الحقد حيث وصف النبي (محمد) إنه ابن الشيطان؟! مع أن النبي محمد جاء بما ينزه مقام مريم العذراء والسيد المسيح، وأن محمداً النبي أمر أصحابه في أول هجرة لهم إلى ملك مسيحي بالحبشة ويضيف (آرثر) أن المنصفين في الغرب هم قلة رغم أنهم يتبؤون مراكز هامة ثقافياً لكن المدعومين صهيونياً هم القابضون على زمام صنع القرار الأمريكي والغربي عموماً، حيث ظهر هؤلاء المنصفون بمناهضتهم القوية ضد القرارات الأمريكية المانعة من زيارة بعض الإسلاميين لأمريكا، مؤكداً أنه في عهد الرئيس كلينتون حاول تهدئة حملة العداء لكنه فشل عبر مونيكا اللوبي المتغلغل والضاغط في مطابخ القرار، ويضرب مثالاً: أن راشد الغنوشي منع مراراً من زيارة أمريكا بحجة أنه أبرز داعم للحركات المسلحة الأصولية؟ وتأتي المباركة الإسرائيلية للسياسة الأمريكية على اتخاذ هذا القرار ضد الإرهابي (الغنوشي) الحقيقة أن (آرثر) أطال الكلام حول الغنوشي وموقف البيت الأبيض واللوبي الصهيوني ويصل (آرثر) في النهاية إلى تقرير خلاصته: أن العالم أصبح ينظر إلى أمريكا أنها عدوة الإسلام والأدلة بالعشرات على دعمه (للأنظمة القمعية) والواجب على أمريكا أن تراجع سياستها العدائية تجاه خمس العالم غير أنها مستمرة في استعلائها وأن مقتل أكثر من (200) ألف مسلم في البوسنة لم يحرك لأمريكا ساكناً وكذا في الشيشان وكشمير وفلسطين وغزة خصوصاً، وينتهي (آرثر) إلى قول الصحفي الإيراني الذي قال: خلال الحرب الباردة بذل الغرب جهوداً كبيرة لمحاولة فهم النظام الشيوعي لكنه لم يبذل جهوداً مماثلة لفهم الإسلام، وبدون الحوار مع المسلمين عموماً لن يكون هناك المواجهة ونمو التطرف وهذا لن يخدم مصالح أمريكا، بل العكس هو الصحيح.