لم يتبق لي سوى بضعة أشهر حتى تبدأ إجازتي السنوية وبها سأطير شوقاً ولهفة إلى بلادي اليمنمسقط رأسي, فقد اشتقت لترابها واشتقت لهوائها وأناسها وكل شيء فيها , مرت الأيام من أمام عيني بطيئة جداً وأنا في غربتي كأنها سنون كترجمة عكسية لحال الدنيا وسرعة زوالها ولكن اشتياقي لكل ما فيها كان أكبر وأعظم لطموحاتي في الغربة لأنه لا يوجد شيء أغلى وأثمن من أرض خلقت فيها وعشت وترعرعت فيها وتربيت ونهلت من علومها. نعم لا يوجد شيء أغلى وأثمن من ذلك إلا دينك , سأرجع إليك أرضي وسأهنأ بكل شيء فيك, رغم كل ما هناك من مشاكل صنعها هواة التخريب والتدمير, فأنتِ جزء من ذاتي أو بالأصح أنا جزء من ترابك, فكل سوء فيك يصيبني بمساوىء كما يصيبك , فأنا وأنتِ كالجسد الواحد إذا أصابك شيء كانت آثاره حتما في بدني وذاتي وروحي, فعندما ينهب ثرواتك الفاسدون كأنهم يشربون من دمي ويأكلون من لحمي , وعندما يتلاعب الحاقدون ببرامج تنميتك كأنهم يقودونني إلى الانتحار الفكري والتراجع العلمي والتقوقع الذاتي ويزيدون تخلفي تخلفاً ويرفعون مستوى أمّيتي, وعندما تزرع الفتن على أرضك وتزهق الأرواح وتدمر المصالح وتُهجر القرى ويُهجر أصحاب الأرض في أراضيهم يهزني الألم والحزن وتتقطع منه أحشائي ويهزني شوقاً وحباً للعودة إليك لأحميك وأروي ترابك بكل قطرة من دمي, وعندما يخطط المخططون لتقسيم أرضك وتشطيرك فكأنما يقسمون جسدي نصفين حتى ولو كانت مخططاتهم هباءً منثوراً, وعندما يرقص المعارضون فرحاً وطرباً لمشاكلك وينكر الاشتراكيون عليك تنميتك ويخرب الإصلاحيون ما صلح من سياستك وديمقراطيتك ويتفاوضون على كراسي حكمك فلا أقول إلا على معارضة اليمن السلام ووداعاً لا عودة بعدها. ما أروعك أرض اليمن.. كلمات سأظل أطلقها وأرددها في أرض المهجر لعلها تشفي سقماً أصاب قلبي لفراقك أو لعلها تروي ظمأً جفت منه عروقي منذ فراقك ولعلها تمنع نزوح الروح, ولكن أطمئن نفسي واطمئنك بلادي الحبيبة بأنك منصورة ومحروسة من رب السماوات السبع ورب الأرض ورب العالمين, فلن يطول أنينك ولن تستمر معاناتك فهناك رجال في كل مكان وزمان يحملون في قلوبهم حباً أكثر مما أحمله أنا وسيستمرون في العمل لتطهيرك من كل ما يسبب سقمك ولن تصلي أبداً إلى ما راهن إليه المراهنون بأنك سوف تتلاشين شيئا فشيئا,.. لا وألف لا لن تموتي بلدي الحبيب وفينا عرق ينبض بحبك وعشقك, لن تموتين وفيك رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ومنهم من قضى نحبه حباً فيك ومنهم من ينتظر ( وأنا منهم ) ولن نبدل هذا أبداً, لن تموتين ويتشفى فيك المتآمرون والحاقدون سواء ممن خرجوا من رحمك ويدعون زوراً وبهتاناً حبهم لك, لن تموتي بلادي اليمن وستتعافين قريباً من سقم ألمّ بك وأصابك وتعودين أقوى وأشد وأصلب لتجتثي الفتن وأصحاب الفتن في كل بقاع جسدك وترمين بهم في مزبلة التاريخ, ثم تبتري كل من يفسد فيك وينخر في عظمك ويتسلط على ثرواتك, نعم.. حبيبتي اليمن ستنهضين أقوى وأقوى وسيشتد عودك وتصيحين بأعلى صوت يدوي صداه في أرجاء المعمورة أنا هنا أنا اليمن.