في عام 479 ه الموافق 1085 م سقطت مدينة طليلطة عاصمة الأندلس التقليدية على يد الفونسو السادس بعد حصار دام سبع سنوات. وكان الرجل في صراع مع أخيه على التاج فهرب والتجأ إلى حكام المدينة من المسلمين وكان الوضع حيص بيص ما عرف بدول الطوائف وهو يذكر بأوضاع العالم العربي اليوم. ولم يكن عدد الدول العربية ثلاثاً وعشرين بل ستاً، فكان بنو جهور في قرطبة، وبنو الأفطس في البرتغال وأصلها أرض البرتقال، والبربر في غرناطة، وبنو هود في سرقسطة، وبنو عباد في أشبيلية وهكذا، وذو النون في طليطلة. وعندما التجأ الفونسو السادس إلى المدينة درس تحصنياتها جيداً ووضع في ذهنه خطة تفصيلية لاحتلال المدينة فيما لو صار الأمر إليه. وأنا شخصياً زرت هذه المدينة التاريخية المشهورة بصناعة السيوف ودرت في حاراتها، وكنت أقرأ لمحمد عبد الله عنان في موسوعته عن سقوط الأندلس ونقولاته عن ابن بسام في كتابه (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة)، وكنت أشتهي أن أعرف لماذا تفوقت المدينة بتحصيناتها، فلما رأيت السور والنهر الذي يطوق المدينة مثل التاج للرأس عرفت لماذا سمي النهر بنهر التاجة. والمهم أن الفونسو السادس حاصر المدينة لمدة سبعة أعوام وكان وضع الأندلس في شر حال، فكل حاكم منتبه لنفسه وعرشه ولا يهمه ما يحدث لجاره، بل والأنكأ من هذا أنهم كانوا يستعينون على بعضهم بعضاً بالجنود الإسبان المرتزقة، وكانت الحروب والنزاعات لا تنتهي بين ملوك الأندلس. ويروى عن المعتضد بن عباد أخبار عجيبة أنه كان يسكر ويستعرض رؤوس أعدائه المقطوعة، ولما سقطت اشبيلية بين يدي المرابطين عثروا على أكياس وجوالق ظنوا فيها مجوهرات بسبب امتلائها وثقلها فلما أفرغوا المحتويات كانت رؤوساً من البشر مقطوعة، فلما عرفوا أصلها ردوها لأهلها كي يصار إلى دفنها. وفي النهاية لما سقطت طليطلة دخل الرعب مفاصل ملوك الطوائف وعرفوا أن الله حق وأنهم في طريقهم إلى النهاية. ولكن يجب أن نعترف لهم أنهم كانوا مازالوا يحملون أثارة من وعي فقال المعتمد بن عباد لحمود ابن الأفطس وآخرين: ياجماعة إذا كنا ولابد سنخسر عروشنا ونتحول إلى عبيد فالأفضل لنا أن نرعى جمال البربر من المسلمين على أن نرعى خنازير الفونسو السادس، وهذا الذي حصل وكانت دولة المرابطين يومها دولة ناشئة حديثة في المغرب وكان على رأسها الشيخ يوسف بن تاشفين البالغ من العمر ثمانين عاماً. وعندما زحف بجيوشه إلى الأندلس وضع على المقدمة فرسان أهل الأندلس ووضع البربر في الخلف وأحاط نفسه بخاصته من الحرس الخاص وكان جلهم من السود المسلمين وحمل معه قارعين للطبل تفاجأ به الإسبان، وعندما وصل إلى حدود البرتغال الحالية سمع به الفونسو فسارع بجيش كثيف اختلف الأخبار في عدده وربما كان في حدود ثمانين ألفاً وهرع إليه فرسان أوروبيون من تولوز من فرنسا وآخرون من البندقية وقال: سأدير المعركة في أرضهم حتى لا يخربوا بلادي فيما لو انهزمت. ولما اقترب من المعركة أرسل كتاباً شديد اللهجة إلى ابن تاشفين مليئاً بالتهديد فكان جواب ابن تاشفين أن كتب على ظهر كتابه ثلاث كلمات: الذي سيكون ستراه. وفي 23 أكتوبر 1086 م الموافق عام 480 ه نشبت معركة مروعة انهزم فيها جنود الأندلس فاحتوى البربر الهجمة ثم قام ابن تاشفين المتمرس بالالتفاف على الإسبان وأرسل جنوده من المسلمين السود كالمطرقة باتجاه قلب الجيش الإسباني وقرع الطبول يهز الأرض فوصل أحد المقاتلين إليه وغرس نصل خنجره في فخذ الملك وهو في سرج فرسه فولى الأدبار ولم ينج من جيش الفونسو سوى مائة فارس على بعض الروايات وكان يوم عز للإسلام وأهله. ولكن كان في نفس الوقت بداية النهاية لمسلسل الانهيار في بقاء الإسلام في الأندلس.. وتلك الأيام نداولها بين الناس.