شهر أكتوبر شهر له نكهة خاصة في تاريخنا العربي الإسلامي سواء المعاصر أو ما سبقه ، فهذا الشهر حافل بالانتصارات التي حققتها الأمة على أعدائها ، ولفتة إلى التاريخ يأتِيكَ بالأخبارِ مَن لم تُزَوّد.. وهنا سأعرض لخمس من تلك الأحداث والوقائع من المعارك الخالدة في ذاكرة الأمة والتي حدثت في شهر أكتوبر .. أول هذه الأحداث هي معركة (الزلاقة) التي لا يعرف عنها الكثيرون شيئا رغم أن أهميتها لا تقل عن أهمية معركة حطين أو عين جالوت ، فهذه المعركة حدثت في الأندلس عندما استنجد ملوك الطوائف المنقسمون على أنفسهم بقائد دولة الموحدين التي كانت في المغرب العربي وهو يوسف بن تاشفين فلبّى نداءهم وسارع لنجدتهم وذلك لصد هجوم ملك نصارى الشمال الاسباني ألفونسو السادس الذي استطاع الاستيلاء على مدن الأندلس الواحدة تلو الأخرى حتى وصل إلى طليطلة، فعبر يوسف بن تاشفين إلى الأندلس بجيشه وانضم إليه ملوك الطوائف فصار الجيش قوامه ثلاثين ألف رجل فالتقى بألفونسو عند موضع يسمى الزلاقة، وذلك يوم 23 أكتوبر 1086م ، ودارت معركة رهيبة أُبيد فيها جيش ألفونسو البالغ عدده نحو خمسين ألفًا، لم ينج ألفونسو نفسه مع عدد قليل بلغ الخمسمائة من فرسانه إلا بشق الأنفس. كان من نتائج هذه الموقعة أن استرد المسلمون عدة مدن ولكن الأهم أن هذه المعركة أخرت سقوط الأندلس لقرنين كاملين من الزمان .. أما الحدث الآخر الذي حدث في أكتوبر هو فتح القدس الشريف على يد القائد صلاح الدين الأيوبي ، فبعد معركة حطين التي دار رحاها عام 1187م بين جيش صلاح الدين الأيوبي وجيش الصليبين انكسر فيها هذا الأخير،فاستطاع صلاح الدين بعدها أن يستولي على قلاعهم واحدة تلو الأخرى، وضرب الحصار حول بيت المقدس في منتصف رجب عام 583ه الموافق سبتمبر 1187م، وتوصّل أخيرًا إلى صلح مع الصليبين في ذكرى الإسراء والمعراج يوم الجمعة السابع والعشرين من رجب عام 583ه الموافق 2 أكتوبر 1187م، سلمت إليه المدينة بموجبه، فعامل صلاح الدين أهلها معاملة حسنة، أصبحت مضرب الأمثال،وهكذا انتهى احتلال القدس الشريف الذي دام منذ 1099م .. في العصر الحديث لا ينسى الجيل السابق معارك السويس الكثيرة التي خاضتها مصر بعد ثورة 23يوليو1952م وكان أعظمها تأميم القناة عام 1956م الأمر الذي حرّك قوات ثلاث دول مجتمعة وهي فرنسا وبريطانيا وإسرائيل فيما عُرف بعد ذلك بالعدوان الثلاثي والذي بدأ في 31اكتوبر 1956م لكن صمود الشعب المصري ضمن مدن القنال كلها بور فؤاد وبور سعيد صنع الملحمة التي سطرها الشعب المصري مع قيادته آنذاك لتنسحب كلا من قوات الاحتلال البريطاني الفرنسي من مصر يوم 22 من ديسمبر. وبحلول شهر مارس 1957م انسحب الإسرائيليون أيضًا من الأراضي المصرية التي احتلوها ومن قطاع غزة الفلسطيني.. ونحن في اليمن لا ننسى يوم 14 أكتوبر عام 1963م ذلك النهار الأغر الذي كان انطلاق الثورة الاكتوبرية المجيدة في جنوباليمن ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم على هذه الأرض لأكثر من مائة وثلاثين سنة ، وكان لانطلاق الثورة السبتمبرية عام 1962م في شمال الوطن الأثر الأكبر لقدح الزناد لتبدأ معارك التحرير التي انطلقت من جبال ردفان لتشمل كل المحافظات الجنوبية – آنذاك – فتتكلل تلك التضحيات بجلاء آخر جندي بريطاني في الثلاثين من نوفمبر 1967م ويتم الاستقلال… ختاما لا ننسى ملحمة العبور التي خاضها الجيش المصري مع الجيش السوري في ظهيرة يوم 6 أكتوبر 1973م فيتمكن الجيش المصري من اختراق خط بارليف ويعبر إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، في حين يتمكن الجيش السوري من اختراق خط آلون إلى مرتفعات الجولان لتبدأ ملاحم التحرير لصحراء سينا والقنيطرة في الجولان بعد ست سنوات ظلت في قبضة إسرائيل، ومنْ يقرأ تفاصيل حرب أكتوبر من خلال كتابات محمد حسنين هيكل أو د/عبدالعظيم رمضان أو حتى من الكتابات الإسرائيلية نفسها – مثل كتاب المحدال(أي التقصير) - التي ظهرت بعد سنوات الحرب، منْ يقرأ هذه الكتابات وغيرها يجد عظمة تلك المعركة وجودة التخطيط العسكري والاستراتيجي لها… إن أكتوبر له من الذكريات التي تعبق في النفس عند تذكرها فهل تسير أوطاننا على خطى أكتوبر في صناعة أمجادها واستعادة ذلك العنفوان في كل قراءة جديدة لتاريخنا ؟ أم نصرّ أن نكون أمة فقدت ذاكرتها ذات يوم بلا محاولة للاستعادة ؟.