عندما نقرأ بإمعان التعبيرية الجسدية لشخوص الفنان القدير سامي محمد والغائمة وراء غلالات المدى المفتوح سنجد أن التقنية العالية والرشاقة الأسلوبية والنزعة الأكاديمية الصارمة أبعد ما تكون عن استدعاء المثال الأيقوني الشكلاني، حتى إن علاقته بمن رسم الجسد تتشابه في المفردات الأولية لا المعاني الكلية.. فإذا كان مايكل أنجلو رسم الجسد بثقافة تعيد إنتاج نظرات العهدين القديم والجديد، وتتداعى مع مدن القرون الوسطى الهانئة بيقينها الإيماني وروائعها المشهدية فإن سامي محمد أعاد إنتاج هذا الجسد بتغييب إرادي لأبرز معالمه(الوجه) ومزاوجة قسرية مع كوابحه (الحبال والسلاسل والجدران والأخشاب) بحيث تصبح أحكام القيمة الافتراضية تشابهاً أو تناسخاً بينه وبين فنان آخر ضرباً من التلفيق الذي يقع فيه الكثيرون. نعرف في تاريخ الشعر العربي المعاصر درجة التشابه الكبير بين الأسلوب الشعري لشاعرين ينتميان إلى ما سمي بالمدرسة الرومانسية أو الوجدانية وهما أبو القاسم الشابي من تونس، والتيجاني البشير من السودان. كلاهما كتب بذات النفس والأسلوب الشعري.. وكلاهما عاش نفس الفترة. ثم إنهما ويا للمفارقة ماتا بنفس المرض وفي نفس السن !! وتشابهت سيرتهما الوجودية والإبداعية بدرجة تصل إلى التطابق. لكنهما لم يكونا يعرفان بعضهما بعضاً، ولم يتأثر أحدهما بالآخر.. ذلك يعني أن أحكام القيمة النابعة من المقارنة بين الفنانين لا ينبغي أن تستطرد على التشابهات الشكلية أو التوازي الدلالي والمعنوي، بل على استقراء الجواهر والخصوصيات عند كل فنان. لقد قدّم لنا الفنان الكويتي سامي محمد ملحمة إنسانية وفنية تنخطف صوب المدى المفتوح وتضع سؤال الوعي والوجود في أفق ينفسح على ما كان وما يجري من مظالم وويلات ضد الإنسان. وإلى ذلك تتقدم مرئيات سامي محمد الفنية التعبيرية والدلالية ضمن أنساق متكاملة تُظهر درجة التمكن المهني الاحترافي في المعالجات التوازنية الفنية، بعد أن تكون تلك المرئيات قد خضعت لدراسات وتجارب وتجولات بحثاً عن أقَل التعابير وأكثرها سرمدية في أفق التداعي مع زمن الإبداع الخاص للفنان. تجاربه في فن «السدو» والاعتلاء بالعفوية التعبيرية عند صانعي هذا النسيج البدوي تدلل على ملاحظة وذائقة رفيعتين، ففي تلك التجربة بالذات نكتشف مدى تمكن الفنان سامي من التلوين، وتضاريس التجريد والترميز، والتنغيم على المسطحات اللونية المموسقة، كما نلحظ قدراً كبيراً من الغنائية البصرية والانزياحات الفنية المتواترة مع القلق الناعم، استجابة لنداء العين والتوتر الفني أيضاً.