عندما أنشئت مؤسسة السعيد الثقافية، البعض اعتبرها مجرد مشروع وهمي، والبعض الآخر اعتبرها مشروعاً حقيقياً؛ لأن القائمين عليها هم بيت هائل سعيد أنعم، فهم أصحاب عقلية منظمة وأفكار بنّاءة، ولهم فكر إداري قادرون على تنفيذه وتحويله من طموحات إلى إنجازات.. ولا شك أنهم كانوا يطمحون إلى وضع استراتيجية ثقافية تبدأ في تعز؛ وتمتد إلى بقية المحافظات الأخرى بامتداد الخارطة الصناعية والاستثمارية لمجموعة هائل سعيد أنعم، لكي تحقق محافظة تعز التفاعل المنشود مع بقية المحافظات، وتفعيل حراك ثقافي يتواكب مع دور هذه المدينة المتسامح. علماً بأن دورها الثقافي يتعدى دورها الحضاري، فتعز منذ قديم الزمان ليست مجرد مدينة وإنما أيضاً حالة إبداعية خاصة، ودورها الثقافي له وزنه على امتداد التاريخ اليمني. وكان المؤمل من هذه المؤسسة أن توصل الرسالة الفنية والثقافية إلى مختلف المحافظات الأخرى، محملة بالعمق الثقافي والحضاري لليمن ككل في عالم يتشكل كل يوم. ومع ذلك فقد ظلت رسالة هذه المؤسسة خافتة، ليس لعدم الرغبة في تفعيل المشهد الثقافي وإنما لقصور إداري ربما وظّف هذه المؤسسة لمصالح بعيدة كل البعد عن التعامل مع العقول والقلوب ومخاطبة الأفكار والأحاسيس وتحويلها إلى مؤسسة تخاطب البطون والجيوب!!. وربما يقول البعض إن القطاع الخاص ليس معنياً بالثقافة وهي مسئولية الحكومة، أقول إن علي محمد سعيد والحاج عبدالواسع هائل وأحمد وعبدالجبار وغيرهم قد أدركوا أن التنمية الاقتصادية لا تتحقق إلا بالتنمية الثقافية، وان رأس المال لا يقاس بحجم الاستثمار فحسب؛ بل إن القوة الناعمة هي مصدر أساسي لقوة الاقتصاد، فالطرق التي تسهم بها البراعة الاقتصادية الفائقة ليست بالثروة فقط بل في السمعة والجاذبية أيضاً. ولا أتجاوز الحقيقة إذا قلت إن آل السعيد ينفقون أموالاً كثيرة على المؤسسة وبسخاء، لكن المؤسسة لا تقدم أي جديد؛ فهي تكرر نفسها كل عام، فالمحتوى الثقافي بل الشكل التقليدي المقدم به لا يتغير كثيراً، لا نجد فرزاً حقيقياً ولا تجويداً لاختيار الأفضل. لقد وجدنا أنفسنا في الفعالية الأخيرة يوم الخميس الماضي أمام أمين عام الجائزة وهو مشغول بذاته ومحتفٍ بنفسه من خلال إذاعة برقيات تم الاتفاق عليها مسبقاً ومن داخل القاعة لتكيل له المديح، حتى نسي الجميع الإشارة إلى رئيس جامعة تعز الذي جاء باكراً والذي يرأس أكبر قلعة علمية وثقافية في المحافظة وكأنه غير موجود!!. أنا أكتب هذا الكلام بدافع المحبة لهذه المؤسسة، وأنقل ما تردد سراً، لأن الكثيرين لم يعتادوا على قول الحقيقة، فهذه المؤسسة ينفق عليها أموال كثيرة بهدف أن تصنع ثقافة ذات بعد اجتماعي شامل، ولا يقتصر اهتمامها على البعد الإعلامي وتزويق الكلمات وكيل المديح الكاذب!!. من الأهمية بمكان أن يحدد القائمون على هذه المؤسسة الرؤية التي ينبغي أن تكون عليها، والدور الذي تطمح القيام به لكي تسد الحاجات الثقافية التي يطرحها الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه الوطن. فالمؤسسات لا تقوم فقط للاحتفاء الشكلي وجمع الناس إلى مأدبة غداء، ثم توزيع القات على المشاركين، أو لمجرد المديح، ولكنها تقوم لكي تؤدي رسالة تطمح أن تؤديها، ودوراً تنتدب نفسها للقيام به. ومن منطلق محبتنا لهذا المشروع الذي ينبغي أن يكون تنويرياً لن نتردد لحظة واحدة في تحديد موقفنا الفكري، فمهمة هذه المؤسسة والمؤسسات المماثلة هي تغيير القوانين والأعراف التي تنتقص من الحقوق التي كفلها الدستور للمواطنين، وتواجه بشجاعة كل الأفكار التي تعيق التقدم وتهدد الأمن والاستقرار؛ فهي ساحة لإدارة الحوار بين المثقفين اليمنيين والعرب وبين تيارات الفكر والثقافة في العالم كله. ففي اعتقادي أن مسئولية هذه المؤسسة هي الإيمان بالقيم العليا للفكر الإنساني ولا يوجد أي مبرر لأن تكون بهذا الشكل من الانعزال. مثلما أن خير هائل سعيد أنعم وصل إلى كل ربوع اليمن، فإن المؤسسة كذلك تحتاج إلى أن تصل بمشروعها التنويري إلى كل ربوع اليمن بعيداً عن التقوقع الذي وضعت فيه هذه المؤسسة، والحقيقة أن القائمين عليها إدارياً لديهم الرغبة لتحقيق ذلك، ولكن فاقد الشيء لا يعطيه!!. على هذه المؤسسة أن تكون بحجم المرحوم هائل سعيد؛ تعترف بالجميع، وتقر بحق الجميع، وتسعى لتشجيع الجميع على الاعتراف المتبادل بحق كل منهم، وتسعى لتشجيعهم عبر الحوار للبحث عن مشتركات وطنية، وأن الوحدة لا تتحقق إلا عن طريق التنوع. ينبغي أن تكون هذه المؤسسة تنويرية تهدف إلى تقليب تربة الثقافة الوطنية لشمس الألفية الثالثة وتسعى إلى تخليص الثقافة الوطنية من الشوائب التي علقت بها. إن هذه المؤسسة أهم من مئات المصانع، فالمصانع ستذهب ويبقى ما تنجزه هذه المؤسسة من ثقافة وفن وأدب، وفكر أيوب طارش وعبدالله عبدالوهاب اليوم أهم، فالقصائد الغنائية لأيوب طارش هي التي وحّدت الوجدان الشعبي، كما أنها أضحت اليوم جسراً للتواصل. كان بإمكاني أن أقول كلاماً مطمئناً وفي روح المجاملة، لكن ضميري لا يسمح لي بذلك، خاصة أن هناك أموالاً تنفق بسخاء رغبة في تقديم شيء، فلابد من قول الحقيقة. وأخيراً أناشد القائمين على مؤسسة السعيد ألا يقدموا القات للمشاركين؛ لأن ذلك يكرّس التخلف ويقتل الثقافة، وعليهم أن يدركوا أن المؤسسة ليست فصلاً دراسياً يعمل الأمين العام فيها رئيساً لهذا الفصل؛ يشير للناس بالسكوت ومطالبتهم مغادرة القاعة، كان الأولى به ألا يدعو غير المختصين حتى لا يثيروا الزوبعة في أحاديثهم الجانبية، فالهدف ليس الحشد وإنما النوعية!!. لقد سمعت كلاماً كثيراً حول ركاكة الأبحاث المقدمة وحول الطريقة التي يتم بها اختيار الأبحاث، وأن كثيرين من الباحثين الجادين لا يتقدمون بأبحاثهم بسبب تعامل أمانة الجائزة وطريقة إدارتها للمؤسسة!!.