لا يختلف اثنان حول أهمية الإعلام في الترويج لأفكار الأمم وقضاياها وهذه الأهمية ليست جديدة ولا هي مقتصرة على الإعلام في العصر الحديث الذي أصبح الأكثر أهمية من بين مقومات الدول. فقد عرف القدماء من الفراعنة واليونان والرومان أهمية الإعلام، فهذا فرعون وهو يقارع الحق الذي جاء به موسى عليه السلام يجنّد الاتباع لنشر دعواه حول الربوبية ويحرص على أن تصل دعواه إلى أكبر عدد ممكن من الناس (فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى). والحشر يعني جمع من الناس ليتحول هؤلاء إلى أبواق دعاية لفرعون ودعوته ولم يغفل فرعون فن الدعاية ووسائل الإعلام وفن الخطاب وتلبيس الحق بالباطل فهو يخاطب كل الناس ويستعديهم ضد موسى عليه السلام (إني اخاف أن يبدل دينكم أو أن ينشر في الأرض الفساد). لقد كان فرعون قادراً على أن يتخذ العقوبة التي يريد ضد موسى ولن يعترض عليه أحد، لكنه مثل الساسة المعاصرين الديمقراطيين الذين يريدون تمهيد الأرضية اللازمة لاتخاذ قرار لا علاقة له بالعدالة فالولايات المتحدة ظلت تعبئ الرأي العام الأمريكي أكثر من عشر سنين ضد العراق واشتدت حملاتها قبل قرار الغزو المشئوم الذي اتخذته الإدارة، فقد سخرت الآلة الإعلامية الضخمة والتي تمتلكها لتخويف العالم من العراق الذي يمتلك أسلحة دمار شامل وظهر كولن باول – وزير الخارجية آنذاك أمام مجلس الأمن وراح يعرض خرائط وصوراً من الأقمار الصناعية ليدلل على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل واستمر ابتزاز الشعب الأمريكي للحصول على موافقته بشن الحرب. ولا يزال الإعلام في كل بلد هو المسئول عن توجيه الرأي العام في الاتجاه الذي يخدم توجهات الساسة وما حدث بين الجزائر ومصر بسبب مباراة كرة قدم سوى مثال على خطورة الإعلام وأثره فقد كان الإعلام هو بطل ذلك المسلسل بلا منازع. واليهود أكثر الناس إدراكاً لأهمية الإعلام وخطورته لذا فقد استماتوا في الاستيلاء على (ديزني لاند) وحاصروا مؤسسها حتى ألجأوا ورشته إلى بيعها لهم وكذا هوليوود التي أصبحت تحت السيطرة اليهودية الصهيونية ومن تسول له نفسه أن يخرج عن الخط المرسوم يدمر وعندما صرح النجم السينمائي الأمريكي الكبير (مارلون بروندو) في قناة (CNN) في مقابلة مع اليهودي المشهور (لاري كنج) بأن هوليوود قد سيطر عليها الصهاينة ألغت ثلاث من شركات الإنتاج عقوداً معه بثلاثة ملايين دولار فاضطر في اليوم التالي إلى تقديم اعتذار وسحب كلامه. وعندما أخرج أحد نجوم هوليوود فيلم (آلام المسيح) وذكر فيه دور اليهود في صلب المسيح عليه السلام قامت المظاهرات اليهودية ضده وضد الفيلم مع أن هذا الدور مذكور في الكتاب المقدس واضطر إلى تغيير الترجمة من السريانية إلى الانجليزية بحيث تبعد اليهود عن هذه التهمة التي لبستهم وعبر الكتاب المقدس منذ قرون. ولم يخرج اليهود في مظاهرة ضد أي زعيم عربي عدا عبدالناصر ومنذ قيام دولتهم كما خرجوا ضد مسلسل (فارس بلا جواد) الذي أنتجه ومثله الفنان محمد صبحي فقد اعترضوا على المسلسل بل وطالبوا بعدم عرضه ومع أنه عرض لمرة واحدة فقد سجلوا احتجاجهم على هذا المسلسل، والكثير من القراء لا يعلمون أن القنوات الفضائية الأوروبية والأمريكية التي يتمتعون بمشاهدتها اليوم لا تعرض على الشعب الأوروبي والأمريكي ما تعرضه علينا، فما يعرض على هذه الشعوب هو ما يكرس العداء للإسلام والعرب فقط فإذا فجر فدائي نفسه ضد هدف إسرائيلي تقوم ال(CNN) بعرض ذلك مع تحقيقات حول الإسلام الإرهابي وعدم امكانية التعايش معه ويظهر المنظرون اليهود بكل أحقادهم لينفثوا سمومهم ويلقحوا افكار الشعب الأمريكي وطبعاً لا توجد قناة عربية واحدة تبث إلى الأمريكيين وجهة النظر الإسلامية عدا الجزيرة لاحقاً وهذه تخضع أيضاً لتوجهات سياسية وهي لا تفي بالغرض. أما يعرض علينا عن طريق (CNN) فمختلف تماماً عما سبق. وعندما يقوم انقلاب في هايتي ضد الرئيس «ارستد» تقوم وسائل الإعلام الغربية بالتباكي على الديمقراطية التي انتكست وعندما تفوز جبهة الانقاذ في الجزائر بانتخابات مباشرة وحرة تقوم نفس الوسائل الإعلامية بالتحذير من الخطر الإسلامي القادم وتحرض على قيام انقلاب يستأصل الإسلاميين، ومثل ذلك ما حصل لحماس عندما فازت في انتخابات أشرف عليها الأوروبيون هاهو الشعب الفلسطيني يدفع من دمه ثمن هذا الاختيار وهاهي غزة محاصرة دولياً وعربياً بسبب الديمقراطية التي يقدمها لنا الإعلام كيف شاء ومتى شاء.. ونحن في الوطن العربي من محيطه إلى خليجه نمتلك أكثر من أربعمائة قناة فضائية ما بين تجارية لا تحمل رسالة ولا هدفاً سوى الربح ولو على حساب القيم والأخلاق وثوابت الأمة وبين قنوات طائفية مذهبية لا هم لها سوى تأجيج صراع بدأ قبل ألف وخمسمائة سنة لا ناقة لنا فيه ولا بعير والهدف الحكم باسم الله عز وجل وتقديس الحاكم وتحويل الأمة إلى سادة وعبيد وبين قنوات تضم مشاريع الحكومات وتبرر اخطاءها ولا هم لها سوى ذلك ولكنها عند القضايا الهامة القومية منها والدينية لا تحرك ساكناً ولا تقف على متحرك حسب القاعدة النحوية. والبعض من الإعلام التجاري قد اخترقته أجهزة الجاسوسية العالمية وأصبح أداة طيعة للعدو بل ويستلم مبالغ سنوية لتعويض أي خسائر إن وجدت. مشكلة الإعلام العربي أننا لا نمتلك حتى الآن استراتيجية واضحة أو أهدافاً ترتبط بتراث هذه الأمة لتحمي وجودها، ويزيد الطين بلّة ان القائمين على التخطيط الإعلامي لا يملكون رؤية واضحة أو هم -وللاسف- مرتبطون بمصالح مع بعض أعدائهم شعروا بذلك أم لم يشعروا وإذا كان هذا أثر الإعلام في الأمة عموماً فأي أثر سيكون على النشء الصغار من أبنائنا ؟ هل يوجد فيلم كرتون واحد لهم له علاقة بعاداتهم واخلاقهم وتقاليدهم ودينهم ؟ ألا تستطيع كل هذه الامكانيات العربية صنع فيلم كرتون واحد يربط هؤلاء الأطفال بتاريخهم ؟ سؤال محير يولد عدة أسئلة !! إن غياب النموذج الإسلامي في برامج الأطفال سيخلق أمة ممسوخة مشوهة وماذا ننتظر من أطفال يعرفون عن (بابا نويل) أكثر مما يعرفون عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟؟ وحتى لا نصل إلى قعر الحضارة لابد من إعادة النظر في إعلامنا العربي والإسلامي والدول مسئولة عن إعلامها كما ان تجار الإعلام لابد أن يخضعوا للرقابة ولابد من وجود استراتيجية واضحة وكلما أسرعنا كان الحال أفضل.