الحقيقة لن يأتي لنا أحد من الأشقاء جيراناً كانوا أو ليسوا بجيران ليطرح علينا ذات السؤال ، ولن يأتي أمريكي أو أوروبي أو حتى من الصين يبحث عن جواب لنفس السؤال. ومن الطبيعي والبديهي انه لن ننتظر من عربي أو عجمي مسلم وغير مسلم يريد إجابة لذلك السؤال ، فالجميع على كافة اتجاهاتهم وتوجهاتهم ولغاتهم ودياناتهم وكذلك مصالحهم يعرفون أن الوحدة اليمنية خير من التجزئة والانقسام ليس لليمن فقط وإنما للجميع بما فيه دولهم ومصالحها . ولذلك لن نجد معتوها أو غير واع أو مدرك للأوضاع الاقتصادية والسياسية سينادي بالانفصال أو تفكك الدولة اليمنية الواحدة إلى دول صغيرة. لذلك فنحن عندما نكتب عن الوحدة اليمنية لانخاطب تلك الفئات وتلك المشارب من الدول والمجتمعات فهم أكثر وعياً من كثير جداً من أبنائنا، أبناء الوطن سواء في الداخل أو في الخارج ، وليس المقصود في ذلك المتعلمين والمثقفين والسياسيين العرب إنما الناس العاديين من الأشقاء والأصدقاء . وبالتالي فحديثنا موجه إلى إخوتنا وأبنائنا أبناء الوطن الواحد، أبناء اليمن سواء اعترفوا به أم لم يعترفوا، غيرّوا اسمه أم أبقوه على حاله ، كبارا كانوا أم صغاراً،مغرورين أم مغرر بهم ، مأزومين أم مهزومين ، معقدي الفكر أو منفتحين ، مغتربين أو مقيمين .عاشوا وعايشوا الوضع قبل الوحدة أم أنهم جيل مابعد الوحدة اليمنية وأصحاب عقول وأجسام طرية لم تعرف أو تسمع كيف كنا قبل تحقيق الوحدة اليمنية المباركة . نقول لهؤلاء ياسادتي الكرام إننا قبل مجيء الوحدة اليمنية كنا نعاني أشد المعاناة ، والتي لو أردت الدخول الى تفاصيل المعاناة لاحتجت الساعات والأيام للتذكير وطرح كل أشكال المعاناة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وسينتهي مداد قلمي ولم أنته من سرد القصص والوقائع والأدلة والبراهين . لقد كنا نعيش في ظلام قبل الوحدة اليمنية ، لقد كنا نعيش في سجن كبير لاتستطيع الخروج منه إلا إن كنت حزبياً أو بدعاء الوالدين عن طريق الجبال الحدودية ( وأظن جبال القارة في شبام وكذلك شبوة والحبيلين والبيضاء تشهد على هروب عشرات الألوف إذا لم يكن الرقم بمئات الألوف ) مع يقيني أن كثيراً من الذين سيقرأون مقالي هذا هم احد الأمثلة أو ربما آباؤهم إلى حد بعيد ، ولكنهم غيبوا أو تم محاولة تغييب الحقائق عليهم حتى تنطلي عليهم الأكاذيب. لقد كانت البلاد في فقر في كل شيء حيث لا أسواق مثل بقية البشر، وإن وجدت فهي التعاونيات الحكومية التي تبيع إجباراً علب الطماطم مع البطارية ، لقد كان المغترب يحضر إلى أهله ومعه ما جمعه من النقود وفي خياله انه سيشتري التلفزيون والمروحة والبرتقال والتفاح، ولأن البلد مغلقة وبالتالي خاوية مما يعرفه في بلاد الغربة فتجده يعود إلى بلاد المهجر و معه بعض النقود ، لأنه لايوجد مايشتريه فالتجارة ممنوعة إلا عن طريق التعاونيات الاستهلاكية، ومن البديهي انه سيعيد معه بعض ما أحضره من النقود ، حيث لاتجارة ولا حرية رأس المال وهذا يوصلنا إلى نتيجة أن الأسواق خالية إلا من بعض المواد الغذائية المستوردة عن طريق الدولة ، حيث لايوجد تجار بالمعنى الحالي المتعارف عليه في كل بلاد العالم أو لنقل كالنشاط التجاري الحر في هذه الأيام وتلك صورة من صور تجويع الشعب . أما المواصلات فحدث ولا حرج حيث تم افتتاح طريق من عدن إلى المكلا ومنها إلى سيئون فقط ولا يوجد طرق غير ذلك لكن ذلك الطريق رغم علاته ورغم رداءته ورغم ضيقه ونوعيته الرديئة إلا انه وجد أخيراً وقبل الوحدة بسنوات قليلة وهنا يجب أن نتوقف لأذكر من لايعرف أن ذلك الطريق كانت السيارات تمر فيه ربما كل نصف ساعة أو ساعة لأن المواطن في وضع اقتصادي غاية في الفقر والبؤس فكيف به أن يمتلك سيارة؟ وأين يذهب بها إذا لم توجد طرق في المدن وتربط المحافظات والمديريات بل والقرى مثلما هو اليوم ، والأمر الأهم أن جمارك السيارة أربعة أضعاف قيمتها وهنا صورة من صور تفقير الشعب ، أما الطرف الآخر من المواصلات فهو الهاتف المنزلي وتلك حكاية تحتاج أن نسرد لها وقتاً طويلاً وسيعتقد القارىء أن تلك الفترة هي زمن أساطير ألف ليلة وليلة وليست في القرن العشرين ، لأن مسألة أن يكون لديك هاتف تحتاج إلى ترخيص وموافقة من الأطر الحزبية حتى لاتعيش عيشة ارستقراطية فالشعب يجب أن يعيش حياة الفلاحين والكادحين ، والهاتف صورة من صور البرجوازية وتلك صورة من صور الاستبداد . والحقيقة أنني أتذكر وبعطف شديد كبار السن القادمين من دوعن بكل مديرياتها إلى سيئون على أمل أن يحظوا بسماع صوت ابنهم في المهجر ليطمئن عليهم ويطمئنوا عليه وفي غالب الأحيان يعودون إلى قراهم بخفي حنين. فالخطان الدوليان في سيئون لايعملان وعليهم العودة للغد تلك صورة من صور تركيع المواطن وإذلاله . وربما لم نكن سنستفيد من الهاتف مادام لايوجد عند كل الناس وفي كل المدن والقرى مثلنا كمثل بقية البشر في كل بلاد العالم مثلما هو حاليا ، أما الكهرباء فكانت كهربانا في سيئون ليلية فقط، أما في النهار فلا داعي لوجودها لأنه لايوجد من يمتلك مكيفاً أو براداً أو ثلاجة إلا إن كان حزبياً وبالكاد يملك واحدة ليس كمثل يومنا هذا الكهرباء في كل قرية ليست لتشغيل التكييف في الصيف فقط وإنما لتشغيل المصانع أيضاً . التعليم أتذكره تماما وأنا أحد ضحاياه، حيث لم يكن في سيئون المدينة سوى ثانوية واحدة للبنين وأخرى للبنات وبقية المدن والقرى عليهم أن يكتفوا بهذه المرحلة ، ليس كمثل يومنا هذا تنتشر الثانويات في كل القرى وليس المدن وإن سألتم عن التعليم الجامعي فلم يكن سوى جامعة عدن والتي أتذكر يومها أن عدد طلبتها في كل المحافظات الست يقترب من الثلاثة آلاف طالب أما اليوم فقد تجاوز العدد العشرين ألفاً . أما نحن في حضرموت اليوم فقط أصبح لنا جامعة يدرس فيها من الأشقاء المئات وياسبحان مغير الأحوال . كل ذلك بفضل الوحدة اليمنية أو لنقل أحد أهم منجزات الوحدة في التعليم الجامعي . المكلا عاصمة حضرموت وعروس بحر العرب أصبحت اليوم مدينة عصرية نفخر بما وصلت إليه، هناك الخور بدلاً من العيقه وروائحها الكريهة والأمراض التي تنفثها ، هناك أماكن الترفيه في شرقها وفي غربها هناك تخطيط شوارعها الفسيحة ، وهناك التوسع الهائل في البنية التحتية وهناك الاستثمار حيث فيها عشرات الفنادق بدرجاتها المتعددة والتي تلبي طلب السائح والزائر من الداخل والخارج ، وهناك المصانع المتعددة للمستثمرين اليمنيين والعرب . أمام كل ذلك تقف الجامعة بكلياتها وبمبانيها وموقعها شامخة تعلن للملأ أنها وجدت وولدت بعد الوحدة اليمنية المباركة حيث لم نكن نحلم نحن أهل حضرموت أن يكون لنا جامعة في المستقبل وهذه أحد أهم منجزات الوحدة اليمنية . بل تجاوزنا الأحلام هذه الأيام ليكون لنا جامعة أخرى ثانية في وادي حضرموت وهذا ماقررته الدولة بفضل حرص وحب الرئيس علي عبدالله صالح لساكني حضرموت وتلك أيضا منجز من منجزات الوحدة اليمنية. بعد الوحدة اليمنية قامت ثورة كبيرة في الوطن لم تستطع الدولة مسايرة تلك الثورة نتيجة للتطور السريع في النمو الاقتصادي لدى الفرد . فبعد أن كان ممنوعاً عليه أن يكون تاجراً أصبح المواطن حراً في ماله ومسكنه وحراً في حركته وفي سفره، قفزت اليمن وأخص بالذات عدنوالمكلا وسيئون قفزات هائلة في العمران والتجارة وافتتاح المصانع والورش . أصبح الطريق الذي ذكرته في البداية لايفي ولا يصلح لفترة الطفرة التي عمت اليمن بكامله . تنقل الناس إلى كل مكان في اليمن ، واستفاد الكثير من مالكي الأراضي والعقار وتضاعفت المنجزات أضعافاً تلك هي الحرية الشخصية التي افتقدناها عاد الكثير من المغتربين بعد أن كانوا ممنوعين من العودة وسافر من أراد أن يسافر بعد أن كان ممنوعاً من السفر إلا بضمين حيث السجن الكبير . تغيرت صورة الوطن وخاصة المحافظات الجنوبية حيث كانت محرومة من كل شيىء له علاقة بالتجارة أو الترفيه أو السفر أو البناء حيث الحكم شمولي . لم يكن في بيتنا هاتف وأنا على بعد سبعة كيلومترات من وسط سيئون ، ولم يكن لدينا طريق مسفلت مثلما هو الآن أمام المنزل، ولم يكن هناك محلات تجارية ولم يكن لدينا كهرباء. ولم يكن أحد في طول وعرض قريتنا لديه سيارة . ولم يكن لدينا ثانوية للبنين مثلما هو اليوم لدينا اثنتان للبنين وللبنات . لم يكن لدينا إعلام وصحافة حرة مثلما هو هذه الأيام لدرجة يغبطنا عليها الآخرون . تلك الصورة هي خليط بين ما كنا وما أصبحنا فيه من نعمة الوحدة اليمنية ، إن الكثير من الشباب لايعون أننا كنا نعاني وبقساوة شديدة في كل الأمور . وهم وللأسف ينجرون خلف تيار مخرب صانع للفتن والفوضى فاقد لمصالحه الشخصية . أولئك الأفراد هم الذين جعلونا نعيش في ظلام وجهل وفقر وقهر واستبداد وتخلف ورعب وخوف . مقارنة بما تعيشه شعوب الدول المجاورة . وهؤلاء هم الذين يتزعمون نشر الفتنة والكراهية والفوضى بعد أن ذقنا طعم الحرية بشتى أنواعها والحب والسلام . بعد كل ذلك السرد السريع وأياً كانت الفجوات ( وهي في كل المجتمعات ) فهل يعقل أن نتنازل عن كل ذلك ونعود لعصر تذوقناه بمرارة ومن كان يرفض حينها فزوار الليل في انتظاره . تلك هي الأسباب التي تجعلنا نقول إن الوحدة خير وإن الوحدة اليمنية منجز عظيم سنقاتل كل من يعاديها بكل الوسائل .