ما أراه في شعر «نجيب محمد المراد» هو ذلك الخيال الخلاق الذي يحيل التجريد إلى صورة ملموسة، ويستغور فضاءات اللغة وتدرجاتها وصواعقها الساطعة ليجعلنا في متعة شعرية وامضة تبللنا بالقطر، وتميد بنا إلى عوالم المعاني المؤصلة بالذاكرة واللحظة معاً، فينزاح الزمان مع الزمان، وينبري دهر الإبداع وميتافيزيقاه المدهشة لنردد مع أبي صخر الهذلي «الجاهلي» مُترنّمين: أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمرُ لقد تركتني أحسد الوحش إن أرى إلفين منها لا يروعهما ذعرُ عجبت لسعي الدهر بيني وبينها ولما انقضى ما بيننا سكن الدهر فيا حبها زدني جوىً كل ليلة وياسُلوة الأيام موعدك الحشر وإني لتعروني لذكراك هزة كما انتفض العصفور بلّله القطرُ هذا الاستدعاء العابر لشعر الهذلي والذي مازال يطربنا بعد مرور أكثر من ألف عام دليل آخر على زمن الشعر العربي المؤسس على شجرة الدوحة الباسقة الممتدة في أعماق اللغة العربية التي ترامت بخوارزمياتها الصوتية فكانت نموذجاً فريداً في لغات الأرض، فالعربية مموسقة بحرفها ومنبتها، وهي هنا لا تختلف عن بقية لغات البشرية، ولكنها تتميز بتركيبها الصوتي متعدد الأنساق والأبعاد. فإذا كانت صوتيات اللغات الإنسانية تتناوب جبراً وحصراً في الحركة والسكون، فإن هذا التناوب في العربية يتسع لبدائل وخيارات دونها احتمالات صوتية تسعة في الساكن الواحد، ولك يا عزيزي القارىء أن تتملّى في أمر الفتحة والكسرة والضمة والفتحتين والكسرتين والضمتين والسكون والشدّ والمد، لتعرف مثابة الخوارزميات الصوتية وانعكاساتها الكتابية البصرية في العربية، وهو أمر ينعكس على الشعرية بمعناها الواسع، والنص المكتوب على وجه أخص. [email protected]