من المتفق عليه في كل المجتمعات والبلدان؛ وأكدته الأديان السماوية كلها؛ أن المسئولية الاجتماعية صغرت أم كبرت هي التزام أخلاقي وإنساني؛ مثلما هي التزام ديني من قبل كل الفاعلين والمستفيدين داخل المجتمع، يتبع ذلك القطاع الخاص والمستثمرين ورجال الصناعة والتجارة. باعتبار المسئولية الاجتماعية عقداً اجتماعياً ملزماً لكل الأطراف تجاه المجتمع الذي يعتبر صاحب شخصية اعتبارية يحميها القانون إذا لم يتم التعاطي مع تلك المسئولية بشكل تلقائي من قبل شركاء الحياة والإنتاج فيه, باعتبار ذلك العقد صمام أمان يحفظ للمجتمع حقه. وبما أن المجتمع يعتبر المستهلك الأول لما تنتجه تلك الشركات الوطنية أو الاستثمارية العاملة ضمن نطاقه البشري والجغرافي, وهي في الوقت نفسه سوق مربحة ومريحة لها, فإن المسئولية الاجتماعية تعتبر في هذه الحالة قائمة؛ ولا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف من الظروف طالما والعمل قائم؛ والانتاج غير متوقف. يبدو أن مفهوم وقيم حقوق المسئولية الاجتماعية لدى مجموعة كبيرة من المستثمرين ورجال القطاع الخاص والبيوت التجارية مازالت غائبة إلى حد ما، السبب على ما يبدو أيضاً هو أن قانون الاستثمار قد غيّب حقوق المجتمع ومسئوليات القطاع الخاص والمستثمرين تجاهه. معتقداً أن مثل تلك الإضافات والمسئوليات قد تعيق تدفق الاستثمارات إلى المجتمع اليمني, مما يشكل عبئاً إضافياً على المجتمع للمطالبة بحقوقه، ووضع عقداً اجتماعياً ملزماً لكل الأطراف حيال تلك الحقوق والواجبات. من الواضح أن بعض البيوت التجارية والمستثمرين قد خلطوا إلى حدٍ كبير بين الالتزامات القانونية والدينية والمسئولية الاجتماعية التي تترتب وفق الشراكة المتفق عليها؛ مما جعلهم يظنون أن الزكاة التي هي فرض ديني أو ضرائب قانونية هي أيضاً واجب وطني. مما جعل الكثيرين منهم يحجم عن تقديم واجباته تجاه المجتمع من حيث البيئة والصحة والتعليم والتدريب والتأهيل والإسكان بما يخدم الشرائح المختلفة في المجتمع، ويخفف من معاناة المجتمع، ويساعد الدولة في بعض الجوانب التي تسهم في رفع كفاءة الإنسان ووتيرة التنمية. بعيداً عن لغة المجاملة فإن "آل السعيد" أو ما يطلق عليهم «مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاءه» استطاعوا إلى حد الآن التعاطي مع المسئولية الاجتماعية بشكل إيجابي من خلال الكثير من المعطيات أهمها البيئة التي أصبحوا إلى حدٍ كبير أصدقاء لها من خلال تخلصهم من مخلفات المصانع المختلفة، والجودة في المنتج والإدارة أصبحا أيضاً في حالة متنامية؛ مما يجعل مجموعة السعيد في المرتبة الأولى من حيث الاهتمام بالمنتج والمستهلك. أيضاً العلاقة الجيدة بين المجموعة والمستهلك توحي لكل متتبع أو باحث أن الرضا والإيجابية صفة ظاهرة حين يكون المبحوث عنه هو هذه المجموعة الوطنية. أيضاً في مجال التدريب والتأهيل تلعب المجموعة دوراً لا بأس به في هذا المجال؛ وإن كان القصد من التأهيل هو إيجاد كوادر مؤهلة لحاجتها فقط, يبقى الأمر مفتوحاً ومطروحاً للتوسع بحيث يتعاطى مع المتدربين في المستقبل لإعدادهم لسوق العمل خارج نطاق المجموعة في شراكة اجتماعية تستهدف شريحة الشباب, تحد من تزايد البطالة, مما يجعل المجموعة أشد إيجابية مع المسئولية الاجتماعية. ما يقدم من قبل المجموعة للتعليم من بناء مدارس ومجمعات تربوية يساعد إلى حدٍ كبير في توفير البنية التحتية لهذا القطاع المهم في المجتمع, فقط ألا يكون من أموال الزكاة التي يجب على المجموعة الوفاء بها باعتبارها فرضاً من قبل الله سبحانه وتعالى. وحتى تصبح المجموعة قادرة على التعاطي مع المسئولية الاجتماعية بشكلها الإيجابي, الجانب الصحي مازال حتى الآن مغيباً من قبل المجموعة وغيرها من البيوت التجارية والمستثمرين كشركاء للمجتمع؛ لأن المستشفيات التي نفذت خاصة بهم وليست في متناول أبناء المجتمع بسبب الأسعار الباهظة التي تحول دون استفادة الجمهور منها. وهناك قطاعات ومجالات أخرى جديرة بأن يتم التعاطي معها بعيداً عن لغة الربح والخسارة حتى تكون الشراكة مع المجتمع من منطلق الحق والواجب؛ لا التفضل والصدقة من قبل هذا أو ذاك. بقي أن نتساءل عن المسئولية الاجتماعية وضبابية التعامل معها من قبل القطاع الخاص والمستثمرين وقبلهم تعامل المشرّع اليمني معها؛ والذي أبقاها بعيداً عن متناول المجالس المختصة بها وبتقنينها وحمايتها, مما جعلها في حالة من الغياب والتهميش. وكذا تعاطي الشركاء معها على أنها خاضعة للمزاج؛ لا يحكمها عقد اجتماعي معترف به من قبل الجميع, يلزم كل الشركاء المنتفعين والفاعلين في المجتمع بالوفاء بالتزاماتهم تجاه المجتمع الذي ينتظر منهم الكثير من العطاء والوفاء. كيف يمكن للقطاع الخاص وشركاء المجتمع أن يضعوا هذه الحقوق بعين الاعتبار، ويعيدوا التعاطي مع المجتمع وفق هذه الرؤية المسئولة التي تتم عن وعي بحقوق الآخرين؛ وإن كانت قد سادت مجتمعنا لغة الاستغلال البشع الذي لا يترك وراءه غير الكوارث والملوثات والإضرار بالمستهلك والبيئة على حد سواء في استحياء وغياب لمنظمات المجتمع المدني؟!.