يكتسب الدور الاجتماعي للشركات والقطاع الخاص أهمية متزايدة بعد تخلي الحكومات عن كثير من أدوارها الاقتصادية والخدمية، حيث أصبح على القطاع الخاص كما يقول الخبير الاقتصادي الدكتور طه الفسيل تحمل مسؤولية قيادة النشاط الاقتصادي، وكذا الدور الاجتماعي الذي يجب عليه أن يؤديه للمجتمع، وبما يسهم في تنمية وزيادة مستوى رفاهيته، والمساعدة على حل مشاكله. ويرى الدكتور الفسيل إنه في الوقت الذي يتم فيه إعادة صياغة الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة فإن الأمر يتطلب أيضاً إعادة صياغة الدور الاقتصادي والاجتماعي للقطاع الخاص بحيث تتضمن الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها أهدافاً اجتماعيا إلى جانب سعيه لتحقيق الربح، كهدف أساسي ورئيسي له ، ليضمن بذلك بقائه واستمراره ونجاحه، مؤكدا انه بدون هذا الترافق بين الدورين ( الاقتصادي والاجتماعي ) فإن القطاع الخاص لن يكون أهلاً لتسلم هذه القيادة، ولن يتمكن كذلك من تطوير نفسه والمساهمة في إنجاح عملية التحول الاقتصادي، كما أن بقاء واستمرار القطاع الخاص يعتمد على ما يحققه من نجاحات اجتماعية إلى جانب النجاحات الاقتصادية. وأبرز المؤتمر الأول والثاني للمسؤولية الاجتماعية للشركات الذي نظمهما في وقت سابق مركز دراسات وبحوث السوق والمستهلك الدور الهام للمسؤولية الاجتماعية، بهدف رفع مستويات التعاطي مع هذا المفهوم محليا ونقله إلى مرحلة تطبيقية، وتحريك "عجلة" المسؤولية الاجتماعية لتتوازى مع تنامي نشاط ونمو القطاع الخاص. ويعزو خبراء المسؤولية الاجتماعية محدودية دور الشركات اليمنية إلى أسباب كثيرة، يأتي في مقدمتها ضعف الوعي إن لم يكن غيابه لدى الكثير من الشركات بالمسؤولية الاجتماعية، والخلط بينها وبين العمل الخيري، معتبرين النتائج التي تمخض عنها المؤتمر الأول للمسؤولية الاجتماعية لبنة هامة في إرساء مداميك المسئولية الاجتماعية وتحويلها إلى عمل مؤسسي ينبع من فكر وثقافة وعمل الشركات. وأجمع المشاركون في المؤتمر الأول للمسؤولية الاجتماعية للشركات أن جهود القطاع الخاص ورجال الأعمال في اليمن في الجانب الاجتماعي ما زالت عشوائية وبعيدة تماما عن المؤسسية وقريبة من الصفة الخيرية.. مؤكدين أن ما يتم حاليا هو أمر أقرب للمنح الخيرية والعطاء الديني منه إلي الدور الاجتماعي، حيث أن معظم جهود رجال الأعمال تنحصر في أعمال خيرية دينية غير تنموية مرتبطة بإطعام الفقراء أو توفير ملابس أو خدمات لهم نظرا للموروث الديني.. مشيرين إلى عدم وجود رؤية مشتركة أو حتى اتفاق بين رجال الأعمال علي ضرورات الدور الاجتماعي باعتباره سندا لاستثماراتهم داخل مجتمع تتزايد فيه حدة الفقر وتصل إلي حوالي 36 %. من جانبه يؤكد وزير الصناعة والتجارة الدكتور يحيى المتوكل على أهمية أن تتعدى المسؤولية الاجتماعية للشركات مجرد العمل الخيري لتصل إلى تفاعل حقيقي وبشكل مباشر مع المجتمع وقضاياه وهو ما يؤدي إلى تعميق دور هذه الشركات في المجتمعات التي تعمل فيها.. منوها بالدور الكبير للقطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، ولكن دوره لابد أن يمتد لمجالات أخرى بخلاف الإنتاج إلى المشاركة بشكل أكبر في تنمية المجتمع. فيما يشير المدير التنفيذي لمجموعة هايل سعيد انعم الحاج عبد الواسع هائل سعيد الى أن فكرة المسئولية الاجتماعية للشركات ليست فكرة جديدة على المجتمع العربي الإسلامي والمجتمع اليمني بالخصوص.. موضحا أن الأمر الجديد فيها هو توجهها نحو العمل المؤسسي الذي يحدد للشركات حقوقها وواجباتها والتزاماتها تجاه المنتسبين إليها والمتعاملين معها والمجتمع الذي تنشط فيه بالشراكة القطاع العام ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف أطيافها وكياناتها. ويؤكد أن المجموعة تلتزم في كافة أنشطتها بتنمية المجتمع والمساهمة الفاعلة في الدفع بعجلة التطور والنمو الاقتصادي كما تلتزم بالحفاظ على هويتها المرجعية واحترام حقوق الإنسان عموما وحقوق العامل والمستهلك خصوصا كما تلتزم بشروط ومعايير الجودة والمواصفات والمقاييس المحلية والإقليمية والعالمية وبالحفاظ على البيئة واحترام النظام والقانون.. ويحصر مجالات نشاط المجموعة في المسئولية الاجتماعية في التنمية المجتمعية، الرعاية الاجتماعية، التعليم، الصحة العامة، الثقافة والبحث العلمي، البيئة والسلامة المهنية، الشراكة مع المجتمع المدني، الشراكة التنموية مع الدولة والمسئولية الاجتماعية تجاه المنتسبين. وبحسب الدراسات المتخصصة في المسئولية الاجتماعية فان التطبيق العملي لتجارب الخصخصة أظهر أن الدور الاجتماعي والالتزام الأخلاقي للشركات هو أيضا استثمار يعود عليها بزيادة الربح والإنتاج وتقليل النزاعات والاختلافات بين الإدارة وبين العاملين فيها والمجتمعات التي تتعامل معها، ويزيد أيضا انتماء العاملين والمستفيدين إلى هذه الشركات. وتؤكد الدراسات أن المسؤولية الاجتماعية لم تعد ترفا أو تفضلا من الشركات والمؤسسات الخاصة علي المجتمعات التي تعمل بها بل أصبح التزاما قانونيا وأخلاقيا لضمان استمرارية النمو وتمتع الجميع بثماره، ويزيد من هذا الإلحاح تراجع دور الدولة إلي حد كبير في العملية الإنتاجية وعدم قدرتها علي مواصلة الدعم الاجتماعي للفئات الفقيرة تحت وطأة عجز مزمن في الموازنة وتزايد عدد السكان.وفي اليمن أفرز انتهاج سياسة اقتصاد السوق وتطبيق برامج الإصلاحات منذ منتصف العام 1995م، تنامي ملحوظ لأهمية الدور الذي يؤديه القطاع الخاص في الاقتصاد، بحيث تراوحت نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بين (70-80 %) خلال السنوات الماضية، كما أن العمالة التي يستوعبها القطاع الخاص تتراوح بين 82- 89 % من إجمالي حجم العمالة الكلية في الاقتصاد اليمني البالغة نحو 3.6 مليون عامل بحسب إحصاءات العام 99م. غير أن هذا النمو في دور القطاع الخاص وتزايد أنشطته لم يقابله كما يلاحظ المهتمون وجود أنشطة للمسؤولية الاجتماعية إلا في نطاق ضيق وعشوائي، حيث أن معظم الشركات في اليمن لا تعي مفهوم المسؤولية الاجتماعية بمعناها الواسع، بل يقتصر ما تقدمه على الأعمال التطوعية والخيرية. ويتركز الدور التنموي الاجتماعي للقطاع الخاص في اليمن كما يرى الدكتور طه الفسيل على العمل التطوعي والخيري في بناء وفرش المساجد، المشاركة أحياناُ في بناء بعض المدارس الصغيرة أو تأثيثها وبالذات المعاهد العلمية التي كانت تدرس بصورة رئيسية المفاهيم والعلوم الدينية، مشيرا إلى أن تقييم العمل التطوعي للقطاع الخاص في اليمن مهمة شاقة وعسيرة ، فبالإضافة إلى ما يتسم به هذا العمل من فردية وعشوائية في الإدارة وغياب المعلومات عن حجمه وحدوده واتجاهاته، وأماكن تركزه،وبروزه في مواسم معينة ( شهر رمضان وعيد الأضحى المبارك)، وعدم وجود إطار مؤسسي منظم يقوم على آليات وأهداف وبرامج محددة، بالإضافة إلى ذلك فإن سيطرة الوازع الديني كعامل حاكم ودافع أساسي للعمل التطوعي الخيري في المجتمع اليمني بصورة عامة وللقطاع الخاص والأغنياء والموسرين بصورة خاصة، وما يسود من اعتقاد مترسخ في أهمية إخفاء الصدقات والزكاوات والتبرعات طلباً للأجر الكبير والثواب العظيم من الخالق سبحانه وتعالى تدفع القطاع الخاص إلى حجب أعماله التطوعية الخيرية قدر الإمكان. ويستنتج الدكتور الفسيل في دراسة بعنوان المسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص "دراسة استطلاعيه بالتطبيق على مجموعه هائل سعيد" إن بعض البيوت التجارية قد سعت منذ وقت مبكر إلى تحويل دورها التطوعي الاجتماعي إلى عمل مؤسسي منظم يتسم بالديمومة والاستمرار من ناحية وفي تعدد وتنوع الأنشطة الخيرية من ناحية أخرى. ويقول: ومع الأخذ في الاعتبار محدودية المؤسسات الخيرية برزت مجموعة هائل سعيد باعتبارها مثالاً ونموذجاً للمسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص ذات الطابع المؤسسي المنظم ".. مبينا ان هذه الجمعية تلعب دوراً اجتماعياً كبيراً يتسم بالتعدد والتنوع فهي تسهم بصورة فعالة وإيجابية في مجال تقديم الخدمات الصحية والتعليمية وبناء وتأثيث المساجد في مختلف المدن اليمنية وكذلك في مجال مياه الريف وبعض خدمات البنية التحتية مثل الطرق. ويتفق مع ذلك الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء الدكتور عبد المؤمن شجاع الدين الذي يشير إلى أن أهم وأبرز مظاهر وأشكال المسئولية الاجتماعية للشركات في اليمن هي المشاريع المختلفة والمتنوعة والمتعددة والمنتظمة التي قامت وتقوم بها مجموعة شركات هائل سعيد أنعم وشركاه كالمساجد والمدارس والمعاهد والكليات والآبار ومشاريع المياه والبرامج الثقافية ودعم المدارس والجامعات، والمشاريع والبرامج الخيرية المختلفة ، والمساعدات المالية والعينية التي تقدمها المجموعة للمحتاجين. وتبرز الحاجة مع الأوضاع الاقتصادية في اليمن إلى توجه رجال الأعمال والشركات لتبني برامج فاعلة للمسئولية الاجتماعية تسهم في تنمية المجتمع، بدلا من اقتصار مشاركاتهم المجتمعية على أظهار الوجاهة والتباهي بالأعمال الخيرية غير المجدية في بعض الأحيان. وفيما يعول الكثيرون على المؤتمرات التي تبناها مركز دراسات وبحوث السوق والمستهلك والخاصة بالمسئولية الاجتماعية أن تسهم في تسليط الضوء على هذا الدور وتعزيز كل وسائل العمل الاجتماعي، إضافة إلى حفز فعاليات القطاع الخاص المحلى على تحمل مسؤولياتها الاجتماعية الواجبة باعتبارها شريكاً رئيسياً وفاعلاً في مساندة استراتيجية التنمية المستدامة، والمساعدة في وضع برامج وتوفير وسائل تدعم تفعيل وتطوير المسؤولية الاجتماعية وتوجيه ثمارها إلى الشرائح والفئات المجتمعية بما يسهم في تنوع وتحسين البيئة المعيشية والمجتمعية لعناصر الثروة البشرية ومواردها. يؤكد رئيس مركز دراسات وبحوث السوق والمستهلك حمود البخيتي أهمية هذه المؤتمرات كونها تهدف إلى تعزيز مواطنة الشركات والمؤسسات وتمكينها من النمو والاستمرار وتحقيق الشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني نحو مسؤولية اجتماعية مشتركة، إضافة إلى المساهمة في تضييق فجوة الثقة بين المجتمع المحلي وقطاع الأعمال والاستفادة من التجارب والممارسات المحلية والإقليمية والدولية في هذا الجانب. ويوضح أن المركز أنشئ موقع على شبكة الانترنت خاص بمواطنة الشركات والمؤسسات والمسؤولية الاجتماعية لنشر الأخبار والأنشطة والتقارير والأبحاث والدراسات الخاصة بهذا النشاط.. مبينا ان الموقع سيعمل على إنشاء قاعدة بيانات عن أنشطة وفعاليات الشركات والمؤسسات المسؤولة اجتماعيا في اليمن والإقليم ونشر الدراسات والبحوث والتقارير عن مواطنة الشركات والمؤسسات والمسؤولية الاجتماعية محليا ودوليا.. وقال: كما سيرصد مساهمات الشركات والمؤسسات في مجال دعم برامج التنمية المجتمعية، وتقديم النماذج الايجابية للشركات والمؤسسات في مجال المسؤولية الاجتماعية، وتوعية الجمهور بالمزايا والفوائد للتعامل مع الشركات والمؤسسات المسؤولة اجتماعيا". وأوضح البخيتي أن المركز سيصدر دليل بالشركات والمؤسسات المسؤولة اجتماعيا وإصدار نشرة دورية تغطي أخبار ونشاط مواطنة الشركات والمؤسسات والمسؤولية الاجتماعية.