الهجوم الإسرائيلي الوحشي والهمجي على قافلة المساعدات لغزة في المياه الإقليمية الدولية «أسطول الحرية» يعد سقوطاً جديداً للدولة العبرية التي توغل مراراً وتكراراً في انتهاك حقوق الإنسان فضلاً عن انتهاك الحقوق المشروعة للشعب والبلد المحتل ومواصلة الحصار الجائر على الفلسطينيين تحت ذرائع غير مقبولة. ومثل هذه الأعمال والسياسات التي تعمد إليها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل برئاسة نتنياهو لخلق أفق مسدود هي من تقود الأمور إلى انتفاضة ثالثة وليس طاولة مفاوضات ثالثة كما تأمل الإدارة الأمريكية وتحلم المبادرة العربية. وإذا كان ساسة إسرائيل يعولون كثيراً على الخلافات العميقة بين الفصائل الفلسطينية وخصوصاً فتح وحماس فإن من الغباء الشديد التعاطي مع غزة وكأنها حماس والضفة على أنها فتح دون النظر إلى أننا ننتقد سياسات وآليات لهذا الطرف أو ذاك لكننا لا نختلف ولا نتراجع فيما يتعلق بالثوابت المتعلقة بالنضال الفلسطيني المشروع. فمثلاً إذا كان البعض منا لا يتفق مع استراتيجية حماس في بعض الجوانب التي أهمها ضرورة عدم الارتماء كلياً في أحضان بعض القوى الإقليمية التي لها مواقف وتستخدم أوراقاً وكروتاً في إطار اللعبة مع الغرب والولايات المتحدة, وبالمثل ينبغي لفتح وللسلطة الوطنية ألّا تكون هي الأخرى بيد طرف أو أطراف إقليمية ودولية, ومهما يكن هناك من انتقادات وملاحظات على حماس وغيرها من القوى فإن الجميع في الوقت ذاته يجمع على موقف واحد وهو عدم السماح أبداً لأي قوة سواء إسرائيل أو غيرها أن تدوس على حقوق هذا الشعب في غزة أو الضفة وأن تطوي ملف القضية وترمي به إلى سلة المهملات. وإذا كان الإسرائيليون لا يعرفون سوى منطق القوة , فإن على الغرب والولايات المتحدة أن تدرك أن العنف والصلف الإسرائيلي المتزايد لن يؤدي سوى إلى مزيد من الجنوح نحو التشدد والتطرف في التعاطي مع هذا الصلف , وأنه كلما كان هناك صمت وسكوت دولي إزاء الممارسات الإسرائيلية وجرائمها فإن ذلك يضيق مساحة الأرض التي تقف عليها قوى الاعتدال والسلام والتفاوض ويرجح نسبة قوى التشدد في العالمين العربي والإسلامي. وعندما نقول الأمور تتجه إلى انتفاضة ثالثة وليس انفراج في مسار التفاوض بشأن العملية السلمية فإن ذلك ليس رجماً بالغيب وإنما ينطلق من قراءة لواقع ما آل إليه برنامج إدارة أوباما بشأن إحياء عملية السلام والعودة إلى المفاوضات . استبشر الجميع بما طرحه نتنياهو وبخطوة تعيين جورج ميتشل كمبعوث لعملية السلام بالمنطقة , لكن ما تابعناه خلال الفترة الماضية أن إسرائيل أصبحت لا تلين حتى للدعوات الأمريكية , لم يستطع جو بايدن ولا هيلاري كلينتون ولا جورج ميتشيل إثناء نتنياهو عن بعض مشاريع المستوطنات بل إنهم خلال زياراتهم للدولة العبرية واجهوا بعض الإهانات والإحراجات . ومؤخراً سجلت التقارير ظاهرة جديدة في التعامل الإسرائيلي مع الإدارة الأمريكية , والشهر الماضي وعندما تدفق نحو عشرة آلاف إسرائيلي إلى الخليل للاحتفال بعيد الفصح, تحول ذلك الاحتفال إلى تظاهرة ضد الرئيس الأمريكي وقد حرص الذين هتفوا في التظاهرة على التذكير باسم والد أوباما (حسين) للتلميح بأنه منحاز للعرب. الفلسطينيون بحسب رؤية المراقبين باتوا مقتنعين بأن معركة تهويد القدس هي معركة ثقافية وحضارية في الأساس لأنها معركة طمس الهوية العربية في المدينة وسلب الفلسطينيين تاريخهم ومقدساتهم تمهيداً لإلغائهم طبقاً للمقولة الإسرائيلية الشهيرة «الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت» وينظر الفلسطينيون إلى أن الانتفاضة الأولى جلبت لهم اتفاق أوسلو , وإذا كانت الانتفاضة الثانية قد انتهت أو توقفت بإحباطات وندوب عميقة وانقسامات داخلية , فإن الانتفاضة الثالثة سوف تعيد اللحمة إلى الداخل الفلسطيني. [email protected]