نسبت الوضعبة إلى الفيلسوف أوجست كونت الذي عاش حتى منتصف القرن التاسع عشر، مع أن فكره كان امتداداً لحركة الموسوعيين الفلسفيين، التي دأبت على معارضة العقائد الشائعة، وعلى رأسها الأديان والمثالية والطوباوية. وكان كونت يقول: إنه من الضروري في الفلسفة البدء بما هو معطى مباشر في التجربة، وعدم تجاوز الظواهر. وقد سميت فلسفته بالوضعية لأن أوجست كونت كرس الأعوام العشرة الأخيرة من حياته لوضع ديانة وضعية تحل محل العقائد الشائعة، ووضع كتاباً مقدساً جديداً يجعل الإنسانية هي العليا بدلاً من الألوهية. وقد استمرت مبادئ الوضعية على يد الوضعي الأمريكي ج س بيرس، والبراجماتيين مثل وليم جيمس. والوضعية فلسفة يرجع إليها رجال العلم رجوعاً شبه كلي. وقد استلخص لورزيك كولاكوفسكي عام 1976 م القواعد الأربعة للوضعية المعاصرة باعتبارها موقفاً فلسفياً متعلقاً بالمعرفة الإنسانية. وهذه القواعد المقدمة باختصار هي التالية: 1 - لا يوجد في العالم إلا ظواهر تظهر بشكل مباشر أو غير مباشر للتجربة (أي ما يظهر للحواس مباشرة، ( أو ما يظهر لها بواسطة الأجهزة والآلات). ولا توجد كائنات مخبأة (جواهر) تنجو بطبيعتها من المعرفة. وعليه فإن ما يراد القول أنه معرفة علمية لا يمكن أن يقبل إلا إذا أمكن وضعه بصورة دقيقة تحت الملاحظة. إنها النغمة التجريبية الأخيرة لكل علم بالمعنى الحديث. 2 - اسمية المعرفة: كل علم يعبر عن نفسه بالضرورة في لغة ما. فالمعرفة هي دائماً وبالضرورة (مجردة) وتظل كما كتب ماركس (نتاجا للفكر). وهي تستعمل أدوات مفهومية، وتعميمات، ونظريات تهيكل التجربة. والمفهوم لا يدخل أبداً في واقع الكائنات، ولهذا فليس للمعرفة أشياء مادية واقعية معادلة لها في العالم التجريبي. 3 - أن أحكام القيم والإيضاحات المعيارية ليس لها قيمة إدراكية، (لأنها تتناول قضايا لا يمكن إخضاعها للتجربة)، وهذا لا يعني القول إن رجل العلم لا يتصرف بمقتضى أحكام قيم (على الأقل بالنسبة لشرعية نشاطه العلمي الخاص)، أو انه لا يلجأ عندما يسعى لاكتشاف علمي إلى التأملات الصدفوية. ولكن في النهاية، ومهما تكن استنتاجاته، فإنها يجب أن تخضع فيما بعد للتجربة. 4 - مع أن العلوم تتمايز عن بعضها، وأحياناً بقدر كبير، فإن أساليب اكتشاف المعرفة (المنهج العلمي) يحب أن تكون هي ذاتها في مختلف العلوم فهناك وحدة أساسية في منهج العلم.