الشاعر نجيب محمد المراد لا يقدم موسيقاه في شعرية الكتابة من خلال دالة اللغة «الكلام» فحسب كما يبدو لنا لأول وهلة، بل إنه يتحفنا بغنائية بصرية مترعة بموسيقى الوجود، وذلك حال الشعر الرفيع الذي قال عنه أبو نواس ذات لحظة كاشفة لماهية الشعر : غير أني قائل ما أتاني من ضنوني مُكذّب للعيان آخذ نفسي بتأليف شيء واحد في اللفظ شتى في المعاني قائم في الوهم حتى إذا ما رُمته رُمت مُعمّى المكان في هذا البيان التعريفي يبدو أبونواس شارحاً أكثر منه شاعراً، لكنه وضعنا في ماهية الشعر، وأشار بدقة بالغة إلى تلك المرتبة التي تميز الشاعر عن غيره من المتحدثين. ضمن هذه الأجواء الساحرة يتهادى بنا الشاعر في ديوانه الماثل، مما يجعلني أستبعد التعليق على جميل القول الشعري، تاركاً السباحة المُتروْحنة في أجواء النص للقارىء الكريم. سننطلق إذاً سويةً من منصة متينة لصوت مطبوع بالشعر ونواميسه، لكننا سنحلق معه كما يفعل الطير، فإذا سعدنا بنسيم عليل كان تحليقنا ناعماً رشيقاً، وإذا جابهنا عواصف ورعوداً فإن علينا أن نفعل ما يفعله الطير، وأن نمتشق جناح السببية، وأن نحلق في هواء الكيفية، حتى نقارب البوارق واللمعات. يقول ابن عربي : رأى البرق شرقياً فحنّ إلى الشرق ولو لاح غربياً لحنّ إلى الغرب وإن غرامي بالبروق ولوحها وليس غرامي بالأماكن والتُرب روته الصبا عنهم حديثاً مُعنْعناً عن البث عن وجدي عن الشوق عن كرب وبهذا المعنى سنقرأ اللوائح والخطرات قبل البيان والكلام، فيما نقرأ البيان والبديع، ونحن نتملّى في الشعر المُتجوهر بالعقيق اليماني، حيث نرى «الجمع في عين الفرق» وندرك الفرادة الواحدة في تضاعيف الألوان ولامتناهياتها القزحية.