الضمانات الحقيقية لتعميق الوحدة تقتضي إعادة الاعتبار إلى التعددية وتفعيل قوانين استمراريتها الاعتزاز بالعلم الوطني والاحتشاد في صف الوحدة نتائج متوقعة وعفوية تعبر عن الكل في واحد على الرغم من التسليم بأهمية الدلالات الرمزية المرتبطة برفع العلم الوطني على القمصان أو على المنازل والمركبات..تعبيراً عن الاعتزاز بالعلم، ومع التسليم بأهمية التوعية بفضائل الوحدة ومخاطر التجزئة والانقسام، والتأكيد على محورية الوحدة وهامشية النزعات الانقسامية، إلا أن البيان الوطني الهام لفخامة الرئيس قد عكس جدية التوجهات السياسية لتعميق الوحدة الوطنية، بأدوات أكثر واقعية، لترسيخ الاندماج الاجتماعي وتعميق الوحدة الوطنية على المدى البعيد، فإدراكاً من فخامة الأخ علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية لآلية ترسيخ الاندماج الاجتماعي وتعميق الوحدة الوطنية فقد لامس خطابه الهام الذي ألقاه بمناسبة الذكرى العشرين لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة، أهم الأسس الكفيلة بتعميق الوحدة الوطنية، من خلال مبادرته الرامية لتشكيل حكومة وحدة وطنية، في ضوء نتائج الحوار بين الأحزاب بما يعبر عن قناعته بأن إعادة الاعتبار للتعددية السياسية والاجتماعية والفكرية هو خير سبيل لتعميق الوحدة الوطنية، فالضمانات الحقيقية لتعميق الوحدة تقتضي إعادة الاعتبار إلى التعددية السياسية والاجتماعية والفكرية كما تقتضي السهر على تفعيل القوانين الكفيلة باستمرار مناخ التعددية. الوحدة كمعادلة ومن المؤكد أن الوحدة كمعادلة سياسية واجتماعية وثقافية ليست سوى مجموع الأحزاب والتنظيمات السياسية ومجموع مناطق الوطن ومجموع المذاهب والفرق الدينية السنية والزيدية والإسماعيلية، فالوحدة الوطنية والاندماج الاجتماعي ليس سوى محصلة للتفاعل الحي والخلاق لهذه التكوينات، وفاعليتها في تجسيد الوحدة الوطنية تتناسب تناسباً طردياً مع مستوى تفعيل القانون الذي يضمن حرية التعدد والتنوع والاختلاف ويجعل من كل عنصر من المكونات السياسية والاجتماعية والثقافية رقماً هاماً وفاعلاً في المعادلة التي بنيت على أساسها الوحدة. وقد تطرق الخطاب الرئاسي إلى الأدوار الوطنية للقوى السياسية الأخرى، سواءٌ في صناعة الوحدة اليمنية أو في حمايتها من محاولة الانفصال، مما يشير إلى جدية المعالجة وأصالة النهج الديمقراطي لفخامة الرئيس و إيمانه بارتباط الوحدة بنهج التعددية، إذ من المؤكد أن التعامل مع التعددية كنقيض للوحدة هو تعامل سطحي، و أقرب مثال على ذلك التجارب السابقة للكثير من الدول التي جنحت إلى إنكار التعددية السياسية من خلال سيطرة الحزب الواحد، وإنكار التنوع الاجتماعي بالدمج الاجتماعي القسري للسكان، كتهجير السنة إلى مناطق الشيعة أو العكس، وتغليب المذهب الواحد باسم الفرقة الناجية على ما عداه من الفرق والمذاهب الأخرى, فمثل هذه الأدوات وإن أفلحت في تأمين الوحدة الوطنية بأسلوب القبضة الحديدية ولمدى زمني قصير بل قصير جداً في هذا القطر أو ذاك- إلا أنها سرعان ما انهارت تاركةً وراءها التصدع الاجتماعي العميق، الذي يصل إلى حد الاقتتال الطائفي والانقسام السياسي إلى دويلات، وما كان ذلك ليحدث لولا أن مسؤولية حراسة الوحدة الوطنية ظلت على عاتق الحزب الواحد والرأي الواحد والاتجاه الواحد والمعتقد الواحد..الخ. فهذه الواحدية التي أرادت بالوحدة خيراً هي وحدها من قصم ظهر الوحدة الوطنية في العديد من الدول، إذ من دون شك أن الواحدية ، أكانت حزباً أو رأياً أو فرداً، لا تعني الوحدة التي تساوي التعددية وتتنفس من خلالها، كما أن صهر المجتمع بتكويناته السياسية المختلفة في حزب واحد، أمر مناقض لواقع الحياة الاجتماعية الذي يؤكد بأن الوحدة ليست الواحد. فالوحدة هي مجموع أجزائها، وضمان ديمومتها يتوقف على مدى تمثيلها لمصالح الكل، والدعوة التي تقدم بها فخامة الرئيس لتشكيل حكومة وحدة وطنية تتضمن الحرص على الاستقرار وتخدم الاندماج الاجتماعي والوحدة الوطنية، فعلى الرغم من أن التعددية ليست عصاً سحرية لحل أزمة الاندماج الاجتماعي، إذ من الطبيعي أن ترافق التعددية – خصوصاً في مرحلة النشأة- بعض التداعيات والأخطاء الناجمة عن التذبذب في القبول بالآخر أو صعوبة التسامح مع من يخالفنا الرأي ..إلخ، إلا أن هذه التداعيات وتلك الأخطاء ليست أكثر من الأعراض الجانبية الطفيفة لتعاطي اللقاح الذي يقي الوحدة من مغبة التصدع الاجتماعي. تحقق الهوية ولا تقتصر العبر التي يمكن الوقوف أمامها في هذا المضمار على العصر الحديث، فقد أشار المصطفى (ص) إلى هذه الحقيقة وهو في خضم تأسيس الدولة إذ اعترف بتقسيم أصحابه إلى مهاجرين وأنصار ولم يكن هذا التصنيف سوى دعامة من دعائم وحدة هذه الأمة، وفي رأيي أن اقتران هذه النقائض ببعضها ( التعددية والوحدة) هو قانون أزلي وسنة من السنن الاجتماعية.. ومبادرة القيادة السياسية الحكيمة تؤكد أن خير وسيلة لضمان النتائج هو الأخذ بأسبابها، فلا تؤخذ النتائج بالنتائج. فالاعتزاز بالعلم الوطني والاحتشاد والتجمهر في صف الوحدة ليس سوى نتائج علينا أن نتوقع ظهورها العفوي والطوعي كقواسم مشتركة تعبر عن الكل في واحد (سياسياً و اجتماعياً) أي تحقق الهوية الخاصة في إطار التعدد والتنوع داخل الهوية العامة (الوطنية) فالوحدة الوطنية والاندماج الاجتماعي يخدم الكل كما يخدم الأجزاء، ومع ضمان تحقق التعدد والاختلاف والخصوصية والتنوع داخل الوحدة يصبح الحفاظ على هذه التكوينات مرهوناً بالحفاظ على الوحدة ليصبح الحفاظ على الوحدة مسؤولية الإرادة الجمعية لمختلف الأطياف المنخرطة في المعادلة. أما في حالة طغيان اللون الواحد والصوت الواحد والرأي الواحد فلا تجد باقي التكوينات ذاتها فيما يُعرف بالوحدة، ليتساوى أمامها استمرار الوحدة من عدمه، إذ ليس لدى هذه المكونات ما تخشى عليه. وتكمن حكمة القيادة السياسية وحنكتها في الحرص على ترسيخ الوحدة الوطنية عبر محاولة تفعيل دور الأحزاب والتنظيمات السياسية، كمدخل لتعزيز الروح الوحدوية، فالميل إلى الاتحاد والاندماج الاجتماعي ينجم عن الشعور بالقوة لدى مختلف المكونات السياسية، في حين أن إضعاف هذه المكونات وإقصائها وتهميشها من شأنه الدفع بهذه المكونات السياسية إلى التقوقع والانغلاق والرغبة في التشظي والتفتت إلى ذرات كمحاولة للنجاة والحفاظ على الذات.